حامِى الحقيقةِ نَسَّالُ الْوَدِيقَةِ مِعْ ... تَاقُ الوَسِيقَةِ جَلْدٌ غَيْرُ ثُنْيَانِ
رَبّاءُ مَرْقَبَةٍ مَنَّاعُ مَغْلَبةٍ ... وَهَّابُ سَلْهَبَةٍ قَطَّاعُ أَقْرَانِ
هَبَّاطُ أوْدِيَةٍ حَمَّالُ ألْوِيَة ... شَهَّادُ أَنْدِيَةٍ سِرْحَانُ فِتْيَانِ
يُعْطيكَ مَا لا تكادُ النَّفْسُ تُرْسِلُهُ ... مِنَ التِّلادِ وَهُوبٌ غَيْرُ مَنَّانِ
ومثل ذلك للمحدثين أيضاً كثير.
وإنما يذهبون في هذا الباب إلى المقاربة بين الكلام بما يشبه بعضه بعضاً، فإنه لا كلام أحسن من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم، وقد كان يتوخى فيه مثل ذلك، فمنه ما روى عنه عليه السلام من أنه عوذ الحسن والحسين عليهما السلام فقال: أعيذهما من السامة والهامة وكل عين لامة وإنما أراد ملمة، فلا تباع الكلمة أخواتها في الوزن، قال: لامة.
وكذلك ما جاء عنه صلى اله عليه وسلم، أنه قال: خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة، فقال: مأمورة من أجل مأبورة والقياس: مؤمرة.
وجاء في الحديث: يرجعن مأزورات غير مأجورات. وإذا كان هذا مقصوداً له في الكلام المنثور، فاستعماله في الشعر الموزون أقمن وأحسن.
أن تكون عذبة الحرف سلسة المخرج، وأن يقصد لتصيير مقطع المصراع الأول في البيت الأول من القصيدة مثل قافيتها، فإن الفحول المجيدين من الشعراء القدماء والمحدثين يتوخون ذلك ولا يكادون يعدلون عنه، وربما صرعوا أبياتاً أخر من القصيدة بعد البيت الأول، وذلك يكون من اقتدار الشاعر وسعة بحره.
وأكثر من كان يستعمل ذلك امرؤ القيس، لمحله من الشعر فمنه قوله:
قِفَا نَبْكِ من ذِكْرَى حَبيبٍ وَمَنْزِلِ بِسقْطِ اللَّوَى بَيْنَ الدَّخُولٍ فَحَوْمَلِ
ثم أتى بعد هذا البيت بأبيات، فقال:
أفَاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هذَا التَّدَلُّلِ وَإِنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ صُرْمِى فأَجْمَلِي
ثم أتى بأبيات بعد هذا البيت، فقال:
ألا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ ألا انْجَلِي بِصُبْحِ وَمَا الإصباحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ
وقال في قصيدة أخرى أولها:
ألاَ أَنْعَمْ صَبَاحاً أَيُّهَا الطَّلَلُ الْبَالِي وَهَلْ يَنْعَمَنْ مَنْ كَان في العُصُرِ الْخَالِي