وقوله من أخرى، مستهلها:

أبَتْ هِمَّتي إلاَّ التَّزايُد في الوُدِّمَدَى الدهرِ للأحْبابِ في القُرْبِ والبُعْدِ

أُلامُ على فَرْطِ المَحبَّةِ في الهوى ... وأُعْذَل أن كانتْ حُتوفِيَ في وَجْدِي

سَرَتْ بي دَواعِي الحُبِّ سَيْراً لَو انَّه ... تكلَّفَه شُمُّ الشَّوامِخِ والصُّلْدِ

لَشقَّ من التَّبْريح طَوْد رعاده ... وألقَى مَقالِيدَ المَحبةِ والوُدِّ

فلي شِيمةٌ لم يُبْرزِ الدهرُ مِثْلَها ... إذا ما اعْتراها العَذْلُ يكْبُو ولا يُجْدِي

وله:

ألا ليت أُمِّي لم تلِدْني ولم أكُنْ ... تُراباً ولا شيئاً مع الخَلْقِ أُذْكَرُ

فلا عُمْرَ مَصْروفٌ بخيرٍ وطاعةٍ ... ولا عِرْضَ مُبْيَضٌّ به المرءُ يُشْكَرُ

ولا رَبُّ أحْسابِي يُصَانُ بلا أذَى ... ولا فِعْلُ معروفٍ مع الناسِ يُثْمِرُ

الأمير عثمان المنفلوطي أميرٌ باهر السنا، أهل المدح والثنا.

رقيق شملة الشمائل، طويل نجاد السيف رحب الحمائل.

يمضي مضاء المشرفي بيمينه، وترف له البشرى في مسعاته رفيف البشر في جبينه.

جمع من المعالي كل تليد وطارف، وهو إلى إسداء المعروف أحن من شارف فينوي كما طش عارضٌ حنان، ويطرب كما حن صادحٌ مرنان.

فهو إنسانٌ منظور إليه بإحسانه، له موقعٌ من الناظر في جوف إنسانه.

فلو قيل قدره من الطود أجل، نادى الصدى من شوامخه أجل.

وَقُورٌ إذا فاضتْ أَيادِيه للورَى ... كطَوْدٍ تَسامَى واحْتبَى بالجَداولِ

فألْقَى عَصا التَّسْيار إذْ بلَغ الْعُلَى ... وما قُرِعتْ تلك العصَا في مَحافِلِ

وهو ممدوح الفتح بن النحاس، الذي يقول فيه من قصيدة:

هو والفضائلُ دِيمَةٌ وحديقةٌ ... والناسُ عَيْنٌ نَحْوه ونِيام

والحِلْمُ رَوْض خُلْقُه أنْوارُه ... والآخَرُون الرِّمْثُ والقُلاَّمُ

والجودُ بحرٌ وهْو دُرُّ يَتِمِيهِ ... والمجدُ بَيْتٌ وهْو فيه قِوامُ

وله من الكلام ما يزين صفوف الطروس بحسن روائه، ويدعو بلسان الحال إلى أن تكون أمراء الشعر تحت لوائه.

فمنه قوله، من قصيدة في الغزل:

ما القلبُ يَا رَّبَة الخَلْخَالِ والخْالِ ... مِن الصَّبابةِ لو طال الْمَدَى خَالِي

طاوَعْتُ فيك الهوَى حتى عصَيْتُ أبِي ... ولا رَكنْتُ إلى عَمٍ ولا خَالِ

يا ظَبْيةً ما رَعَتْ عهدَ الوفا ورَعَتْ ... حُشاشةَ القلبِ إني زاد بَلْبَالِي

لِمْ تَرْفَعي خَبَراً في الحُبِّ مُبْتدَأً ... ولِمْ تُجريِّ القِلَى نَصْباً على الْحالِ

يا صاحبِي إنَّها في مُهْجتِي حَكَمتْ ... فلا أَمِيلُ إلى أقْوالِ عُذَّالِي

السيد أحمد بن القاضي شمس الدين المنصوري سيدٌ له الفضل نسب، إلا أنه صديان جدوى ونشب.

فزحزحه الدهر عن بلده، وأبانه عن معاهد سبده ولبده.

فطار بين سمع الأرض وبصرها، لا يدري ما يطأ من حجرها ومدرها.

إلى أن استقر آخراً بمركز التخت العثماني، مؤملاً أن ينال من باب المراد كل الأماني.

فما أم وجهة، إلا قابلت بالحرمان وجهه.

حتى فل ماله، وقل مناله.

وتفلست لهاه، وتقلست لهاه.

وبقي في الغربة إلى أن تخلصت منه الظنون، ومن مات في قبضة الذل فقد أحسنت إليه المنون.

وكان أنشأ سبع مقاماتٍ أطنب فيها وأطرب، وحاول طريقة من تقدمه فأعجب وأغرب.

وذكر فيها مبتدأ حاله، وما لقيه من النصب في إقامته وترحاله.

بعباراتٍ تعطف القلوب القاسية، وتزعزع الجبال الراسية.

وعرضها على أقوامٍ يكاد يندى من أياديهم السحاب الجهام، فمنعه سوء بخته عن رشاشةٍ يبل بها صدأ الأوهام.

فمما انتخبته من مقامته السادسة: قال أبو الحسن المصري: إني نشأت بمصر السعيدة، حامداً ربي على أيامها الحميدة.

قرير العين، كثير العين.

ليس لي حرفة ولا حيلة، إلا تتبع آثار ذوي الصنائع الجليلة.

فجديت في الطلب، وما أخطأت الأدب.

حتى علوت ذروة كل صناعة، وحويت رأس مال كل بضاعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015