محمد الطيلوني بعيد غور المدح، واري زناد القدح.

مكانته في البداهة لا تزحم، وحجته البالغة لا تدحض ولا تفحم.

فاز بمقاد الانتقاد، وأمسك عنان الافتنان، فما كلت له شفرة كلام، ولا برئت صحائفه من وقيعة أقلام.

ولا صفا له ضمير، ولا بات ليلةً إلا وله المركروه سمير.

والطبع كالزرع، لا يزكو حتى يصادف ثرىً طيبا، ومن التوفيق مطراً صيبا.

ومن الأخلاق آفاقاً صافية، ومن المكارم أبراداً ضافية.

فإذا لم ير إلا المكاره، حاد عن انطباعه وهو كاره.

فيتخذ الذم عادة، ويراه أشهى من حياةٍ معادة.

وكان يعادي القاضي عمر المغربي ويهاجيه، وكلٌّ منهما يسامر بريد خياله في ذم الآخر ويناجيه.

والقاضي هذا شيخ بن أهرام الزمان، أعمر من نصر بن دهمان.

مُعَمَّرٌ كأنه ... صالَح صَرْفَ النُّوَبِ

قد انْقضَى الدهرُ وما ... كان به من عَجَبِ

والناسُ جِسْمٌ واحدٌ ... وذاك عَجْبُ الذَّنَبِ

ارتشف الكبر وارتضع، حتى إذا قيل استحكم اتضع.

ولبس خلعة العجب والمآثم، فهو كالنعش لم يلبس خلعةً إلا وفي الحي نوائح ومآتم.

فمما وقفت عليه مما دار بينهما، هذه الرسالة، كتبها إليه الطيلوني: سلامي على من استعار الليل من سواد خلقته، واستفاد طويس الشؤم من صورته، واكتسب النحسان من نحوسته، وانكدرت النجوم من عبوسته.

لا زال مكتسياً تفاصيل الخزي والخذلان، متردياً أردية الذلة والصغار والهوان.

ما نبحت كلاب المغرب، واستهانت عند من يهجو ويضرب.

وبعد، فإن سألت عني أيها الخامل، الذي لو قدر على حمل الذكور لكنت أول حامل.

فإني بحمد الله من العزة والعافية في أعلى رواق، ممدوحٌ بألسنة الوزراء فمن دونهم بالاتفاق.

في عيشةٍ راضية مرضية، ونعمةٍ سابغة سنية.

لا أرقع قميصا، ولا أبيت خميصا، ولا أستعمل خبيصا.

ولا رهنت منذ عمري جوخةً ولا صوفا، ولا تطفلت على خوان أنتظر فيه لحمةً أو رغيفا.

وإني بخيرٍ كما لا تحبون، وأرجو من الله ما لا ترجون.

وأسأل الله تعالى أن لا تكونوا كذلك، وأن يوقعك في أضيق المسالك والمهالك.

ومما أقرع به سمعك أعاره الله الصمم، وألم بعينيك وفيك العمى والبكم.

أني كنت أضربت عن هجوك صفحا، وطويت على إشهار مثالبك كشحا.

ورميتك ورائي ظهريا، وجعلتك نسياً منسيا، وإن كنت جئت شيئاً فريا.

وقد سمعت أنه بلغ بك من الحسد والجهالة، أن لفقت من هذيانك وسرقاتك رسالة.

وتعرضت فيها لذكر من لست له على بال، ولا تجول بخلده إلا إذا تغوط أو بال.

وتوصلت ببعض المعاتيه، الغارقين في بحر الهيام والتيه.

ليوصلها لصاحب الدولة، أدام الله له العزة والصولة.

فحين رمقها مزقها كل ممزق، وتحقق أنك أكذب من المخرق.

وكانت سبباً لسقوط نحسك، وازدياد عكسك وبخسك.

فكنت كما قيل: كالجادع بيده مارن أنفه، والباحث على حتفه بظلفه.

ولعمري قد تحككت العقرب بالأفعى، واستنت الفصال حتى القرعى.

وإذا حان أجل البعير، حام حول البير.

يا سالكاً بين الأسِنَّةِ والظُّبَا ... إنّي أشُمُّ عليك رائحةَ الدَّمِ

وحيث أبيت إلا الإصرار، وأوقعت نفسك كالفراش في النار.

وعبست وبسرت، وأدبرت واستكبرت.

حينئذٍ أرسلت لك في هذا الكتاب بعض جوابك، وتعلم أنه ينزل الألم والجوى بك.

فصواعقه لك محرقة خوارق، وزواجره على رأسك يا سندال كالمطارق.

ارتجالي الاختراع، مربع الأسجاع.

مرتب على حروف المعجم، فاسمع يا خامل الذكر وافهم.

يا خط البهائي، يا حزان النشائي، يا إفلاس البيائي، يا تهمة التنائي.

يا خروف أبي الطيب، يا يوم الزمهرير والصيب، يا خجلة العروس الثيب، يا ضرطة الغني المتهيب.

يا أضحوكة الغنيات، يا حامل رزمة المغنيات، يا ثابت السجلات، خذ ما أتى واستعد لما هو آت.

يا من لباسه رث، وحديثه غث، وتطفيله وجره بالكد والحث، ودأبه الانكباب في الأرض للبحث.

يا ظلمة الليل إذا سجى، يا من لا يهاب ولا يرتجى، يا فاقد اللب والحجى، لا بلغت بك النوق النجا.

يا كثير النباح، يا خائباً في الغدو والرواح، كأنك ثورٌ دائرٌ في الطواح، ملأت الجهات من البكا والنواح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015