وما سواه على خلاف القياس، ولا يخلو مثله عن لبسٍ والتباس.

ومما خالف أهل المعاني، قول الأديب الأصفهاني:

وأيْرانِ تحت لِحافٍ خَطَرْ

والتغليب بابٌ واسع الموارد فلينظر الأديب في موارده، وليتسع في مصائده وأوابده.

وكتب إليه الأديب يوسف المغربي، سؤالاً أدبياً، وهو: أيها الأخ الشفيق الشقيق، والرفيق الرقيق.

والإمام الهمام، الهادي لسائله الأفهام، إذا اختلت في مهامه الأوهام.

إنني أشكل علي قول أبي منصور الثعالبي، في اليتيمة: اتفق لي في أيام الصبا معنىً بديع، حسبت أني لم أسبق إليه، وهو:

قلبِيَ وَجْداً مُشْتعِلْ ... وبالهمُومِ مُشْتغِلْ

وقد كَسَتْنِي في الهَوى ... مَلبِسَ الصَّبِّ الغَزِلْ

إنْسانةٌ فتَّانةٌ ... بدرُ الدُّجَى منها خَجِلْ

إذا زَنَتْ عيْنِي بها ... فبالدُّموعِ تغْتَسِلْ

هل استعارته لنظر الحبيب الزنا، مما يعد في الأدب معنىً حسنا، أو هو مما تجاوز الحد، فاستحق بالزنا الحد؟ فكتبت إليه مجيباً: أيها الأخ، قرة العين، وبدر هالة المجلس الذي هو لها زين.

إنه من المعاني القبيحة، المورثة للفضيحة.

وقد سبقه إليه ابن هندو في قوله:

يقولون لي ما بالُ عَيْنِك مُذ رأتْ ... مَحاسِنَ هذا الظَّبْيِ أدْمُعُها هُطْلُ

فقلتُ زَنَتْ عيني بطَلْعةِ وجهِه ... فكان لها مِن صَوْبِ أدْمُعِها غُسْلُ

وهو معنىً قبيح، واستعارةٌ بشعة، ألا يرى ما قيل في الذم:

أيها المُنْكِحُ بالعَيْ ... نِ جَوارِي الأصْدقاءِ

وقول صر در، في قصيدته المشهورة وإن كان معنىً آخر:

يا عينُ مِثْلُ قَذاكِ رُؤْيةُ مَعْشَرٍ ... عارٌ على دُنْياهُمُ والدِّينِ

نَجَسُ العُيونِ فمُذ رأتْهُمْ مُقْلتِي ... طَهَّرْتُها فَنَزَحْتُ ماءَ عُيُونِي

وكيف يتأتى لهؤلاء ما قالوه، بعد قول يزيد بن معاوية في شعره المشهور:

وكيف ترى ليلَى بعَينٍ تَرى بها ... سِواهَا وما طَهَّرْتَها بالمَدامِعِ

أُجِلّك يا ليلَى عن العَين إِنما ... أراكِ بقلبٍ خاشعٍ لك خاضِعِ

ومنه أخذ العفيف التلمساني قوله:

قالوا أتبكي من بِقَلْبِك دَارُهُ ... جَهِل العَواذِلُ دارُه بِجَمِيعِي

لم أبْكِه لكنْ لِرُؤْيةِ وَجهِه ... طَهَّرْتُ أجفانِي بفَيْضِ دُموعِي

وقال ابن رشيق، في كتابه البدائع: قال أبو علي الفارسي: ليس العجب من توارد الثعالبي مع ابن هندو، وإنما العجب من قوله: لم أقدر أني سبقت إليه، وأبو الطيب يقول في الحمى:

إذا ما فارَقَتْنِي غَسَّلتْنِي ... كأنا عاكِفانِ على حَرامِ

وهل هذا إلا ذاك بعينه، وأبو الطيب أحسن لفظاً، وأصح معنىً؛ لذكره ذكراً وأنثى يقع الزنا بينهما، خلاف ما ذكراه.

وفي نقله تقرير تركناه، خوف الملل والسآمة.

وهذا ما سنح للخاطر، والسلام.

قلت: ومن النقد على الثعالبي في هذه الأبيات أيضاً قوله: إنسانة؛ فإنها عاميةٌ مولدة، وإن أورده صاحب القاموس وتشكك فيه، والإنسان يقال للذكر والأنثى، كذا قاله الشهاب في حاشية التفسير.

وأما رجلة فقد ورد في شعر العرب، قال الشاعر:

كلُّ جارٍ ظَلَّ مُغْتبِطاً ... غيرَ جيرانِي بني جَبَلَهْ

خَرَّقُوا جَيْبَ فَتاتهم ... لم يُبالُوا حُرْمة الرَّجُلَهْ

كذا في الكامل.

وكتب إلى هذا المغربي يستدعيه:

ولما نَزَلْنَا منْزِلاً طلَّه النَّدَى ... أنِيقاً وبُستاناً من النَّوْرِ حَالِيَا

أَجَدّ لنا طِيبُ المَكانِ وحُسْنهُ ... مُنىً فتمَنَّيْنا فكنتَ الأمانِيَا

فيا غاية الأماني، وسلوة الحزين العاني.

قد دعانا الربيع بلسان النسيم، وصاحت القماري هلموا إلى النعيم المقيم.

وعيون الأزهار شاخصةٌ إلى الطريق، وقلوب الأغصان واقفةٌ لانتظار الرفيق الرقيق.

فبالله عليك إلا جعلت يومنا بك عيداً، وجددت لنا وللجديدين بك سروراً جديداً.

وكتب على قول الشاعر، في وصف حمام:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015