وكتب مقرظاً على كتاب مدين القوصوني في الطب، الذي سماه قاموس الأطباء: ما طرزت حلل الثنا، ورنقت رياض البراعة بثمراتٍ غضة الجنا، إلا لتكون لباساً لأبكار المحامد، ومرعاً لأفكار شاكرٍ وحامد.

فالحمد لمولى الحمد على ما أنعم من اللغات والبيان، وأحسن تبلقينها لأطفال الأرواح في مكاتب الأبدان.

وألهمها استخراج در المعاني من أصداف الحروف، لتنظم منها في الصدور، وتعلق في الآذان أبهى عقودٍ وشنوف.

وأزكى صلاةٍ وسلامٍ على أفصح من نطق بالضاد، فروى من عين فصاحته كل صاد.

وشفى بطلب هدايته مريض كل قلب، وهدى بمفردات حكمته كل ذي جهل مركب.

وعلى آله وأصحابه مدائن العلم والحكم، ورؤساء أطباء الأبدان والأديان من سائر الأمم.

لاسيما الأربعة الذين ترياقهم العتيق، وفاروقهم حافظ صحة مزاج الدين بكل ماضي الشفرتين رقيق.

ما دامت الدنيا دار الشفا، وصح مزاج الدهر من الأمراض واشتفى.

هذا، وإن أخي شقيق الروح وقرة العين، وصفوة الحياة ومن كفاية محبته علي فرض عين، لما أتحفني في قدومي للقاهرة بكتابه قاموس الأطباء وجدته الدرة الفاخرة، والروضة التي تفتحت فيها عيون أنواره الزاهية الزاهرة.

ظناً منه أني شعيب مدينته، وما أنا إلا سلمان بيته، بل اشعب موائد كرمه ومنته.

فإذا هو بردٌ محبر، وروضٌ وعقد كله جوهر.

وكتابٌ جميعه مفردات، ولغةٌ لو رآها الجوهري قال: هيهات العقيق هيهات.

أو الخليل بعينه، فداه بعينه.

أو جار الله لقال هذا هو الفائق، أو ابن البيطار ود لو طابقه مطابقة النعل بالنعل لما فيه من الدقائق.

أو صاحب القاموس لقال: هذا المجد، الذي ارتضع در العربية ما بين تهامة ونجد.

فلله در مصنفه فقد أرانا في الرجال بقايا، وفي الزوايا خبايا.

وأنار فكره ظلمة الجهل وقد وقد، وروى ظمآن الفكر فيما ورد ورد، وحقق ما قيل: من دق الباب ولج ومن جد وجد.

وقد قلت فيه ارتجالاً:

دهرٌ يجودُ بمثْلِهِ ... أنْعِم به دَهْراً وَفِي

رَوَّى بكأسِ عَلومِه ... وخِتامُه مِسْكٌ وفِي

وكتب إلى بعض إخوانه وقد توعك:

كفاك الله ما تخْشَى وغَطّى ... عليك بظلِّ نِعْمتِه الظلِيلِ

أعز الله أنصار فياض الكرم والحسب، وحمى بعزته معالم العلوم والأدب.

وأبقاه محروساً من هجوم الخطوب، محفوظاً بسور منيع من إحاطة القلوب.

وأصوات حرس الدعاء مرفوعة، وسدته بحجاب الصنائع ممنوعة.

والدهر وإن كان ذا غير، ومن تفكر اعتبر، فكيف يتسلط عليه بآلامه، وهو لا يتسلط على آيادي إكرامه.

فإن هم به ونعمته متتابعة عليه، صدق قولهم: اتق شر من أحسنت إليه.

أتُهْدِي له الأيامُ سُقْماً وإنما ... مَساعِيه في أعْناقِهِنَّ قَلائِدُ

على أنه إن اعتل فقد اعتل المجد والكمال، وإن مرض فقد مرضت الأماني والآمال، بل القلوب والأرواح، فإذا دعونا له دعونا لأنفسنا بالصلاح.

ورب مريضٍ لا يعاد، وإن كان لا يحرم الأجر مريض الفؤاد.

ولا أقول كما قيل:

يا ليت عِلَّتُه بي غيرَ أنَّ له ... أجْرَ العليلِ وأنِّي غيرُ مَأْجُورِ

ولا كما قيل:

وَفَيْناك لو نُعْطَى الهوَى فيك والمُنَى ... لكانتْ بك الشَّكوى وكان لك الأجْرُ

وقد سمعتُ بفَصْدِه للْبَاسَلِيق، وأنه قد بكى دماً عرقه العريق.

فهاك اعْتلالُك يبْكِي دَماً ... وتَضْحكُ في جِسْمِك العافيَهْ

وكان قيل: عرق الصحة له في كل منبت شعرةٍ عينٌ باكية، تبكي بمدامع العرق على فراق العافية.

وإن ببكاء عرق الصحة أضحك الله ثغور مسرته، كما ضحكت تباشير الهنا بصحته.

وهنأ الله الوجود، بسلامة الكرم والجود.

فلا زال كوكب سعده طالعاً في سماء الإقبال، فإن لكل زمانٍ غرةٌ وهلال.

ومن فصلٍ له كتبه لبعض المغاربة يداعبه، وكان يقول بالظباء: مذهب مولاي تقديم الذكور على الإناث، وتطليق حور الجنان بالثلاث؛ لأن الرجل خيرٌ من المرأة بالاتفاق، فلذا تخلف عن الخلاق، وتقدم حيث الشقاق.

كما قلت له أولاً:

أديبٌ مَالَ عن حُبِّ الغَوانِي ... وبالأحْداثِ أصبح ذا اكْتراثِ

وقال اخْتارَ ذا أهلُ المَعانِي ... فغلَّبَتِ الذُّكورَ على الإناثِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015