نَواعِسٌ كلَّما فَوَّقْنَ أسْهُمَها ... تركْن أُسْدَ الشَّرَى لَحْماً على وَضَمِ
وقوله:
قلتُ لمَّا بدَا يميسُ بقَدٍ ... جَلَّ مَن صاغ حُسْنَه وتَبارَكْ
عَمِّرِ الوقتَ بالرَّجا أو بوَصْلٍ ... عَمَّر اللهُ يا حبيبي دِيارَكْ
وقوله:
لقد صار لي مَدْمعٌ بعدَكمْ ... يفيضُ على وجَنتِي كالعَقِيقْ
لِتَذْكارِ أيَّامِنا بالحِمَى ... وتلك الليالِي بوادِي العَقِيقْ
أحمد بن الفضل باكثير الفضل والده، وبه تم له طارف المجد وتالده.
فمقداره في النباهة جليل، ومثل باكثير في الناس قليل.
جيد النثر والنظام، كثير الارتباط في سلكه والانتظام.
وله قريحةٌ سيالة، وطبيعة في الأفنان ميالة.
وشعره بعيدٌ عن الكلف، نقيٌّ من النمش والكلف.
فمنه قوله مصدراً ومعجزاً قصيدة المتنبي، يمدح بها السيد علي بن بركات الشريف الحسني:
حُشاشةُ نفسٍ وَدَّعتْ يوم وَدَّعُوا ... وقلبٌ لأظْعانِ الأحِبَّةِ يَتْبَعُ
وصبرٌ نَوَى التَّرْحالَ يومَ رحيلِهم ... فلم أدْرِ أي الظاعِنَيْنِ أُشَيِّعُ
أشارُوا بتسليمٍ فجُدْنا بأنْفُسٍ ... تسيلُ مع الأنْفاسِ لَمَّا ترَفَّعُوا
وسارُوا فظلَّتْ في الخدودِ عيونُنا ... تسيِلُ من الآماقِ والإسمُ أدْمُعُ
حَشايَ على جمرٍ ذَكِيٍ من الهوى ... وصَدْرِيَ مُذْ بَانُوا عن الصبرِ بَلْقَعُ
وقلبي لَدَى التَّوْديعِ في حَزْنِ حُزْنِه ... وعَيْنَاي في روضٍ من الحُسْنِ تَرْتَعُ
ولو حُمِّلتْ صُمُّ الجبالِ الذي بنا ... من الوجدِ والتَّبْريح كانت تضَعْضَعُ
وأكْبادُنا من لَوْعةِ البَيْنِ والنَّوَى ... غَداةَ افْترقْنا أوْشكَتْ تتصدعُ
بما بيْن جَنْبَيَّ التي خاضَ طَيْفُها ... دُموعِي فَوافَى بالتَّواصُلِ يطمعُ
تخَيَّل لي في غَفْوةٍ وجَّهتْ بها ... إليَّ الدَّياجِي والخَلِيُّون هُجَّعُ
أتتْ زائراً ما خامرَ الطِّيبُ ثَوْبَها ... وخَمْرتُها من مِسْكِ دَارِينَ أضْوَعُ
فقبَّلتُ إعْظاماً لها فضلَ ذَيْلِها ... وكالمِسْكِ من أرْدانِها يتضَوَّعُ
فشَرَّد إعْظامي لها ما أتَى بها ... وفارقْتُ نَوْمِي والحشَا يتقطَّعُ
وبِتُّ على جمرِ الغَضا لفِراقِها ... من النومِ والْتاعَ الفؤادُ المُفجَّعُ
فيا ليلةً ما كان أطولَ بِتُّها ... سميرَ السُّها حِلْفَ الجوَى أتضرَّعُ
يُجرِّعني كأسَ الأسى فَقْدُ طَيْفِها ... وسَمُّ الأفاعِي عَذْبُ ما أتجرَّعُ
تذلَّلْ لها واخْضَعْ على القُرْبِ والنَّوَى ... لعلّك تحْظَى بالذي فيه تطمعُ
ولا تأْنَفَنْ من هَضْمِ نفسِك في الهوى ... فما عاشقٌ من لا يذِلُّ ويخْضَعُ
ولا ثَوْبُ مَجْدٍ غيرَ ثوبِ ابنِ أحمدٍ ... عليّ الذي أضْحَى له الفخْرُ أجْمَعُ
عليه ضَفَا بالمَكْرُماتِ ولم يكُنْ ... على أحَدٍ إلاّ بلُؤْمٍ مُرَقَّعُ
وإن الذي حَابَى جَدِيلةَ طَيِّءٍ ... بحاتمِهم وهْو الجوادُ المُمنَّعُ
حَبَى بعَليٍ آلَ طه فإنّه ... به اللهُ يُعْطِي مَن يشاءُ ويمنعُ
بذِي كَرَمٍ ما مَرَّ يومٌ وشمسُه ... بغيرِ سَناً منه تُضِيءُ وتَسْطَعُ
ولا ليلةٌ تزْهُو به ونجومُها ... على رأسِ أوْفَى ذِمَّةٍ منه تطْلُعُ
فأرْحامُ شِعْرٍ يتَّصِلْنَ لَدُنَّه ... فكم سِعْر شِعْرٍ في مَعاليِه يُرْفَعُ
ومنها في الختام:
ألا كُلُّ سَمْحٍ غيرَك اليومَ باطِلٌ ... لأنك فَرْدٌ للكمالاتِ تجْمَعُ