نسبٌ من النبي مبتدى، وحسبٌ ببرد النباهة مرتدي.

وقد شفع شرف النسب بمزية الكمال، وقرن إلى صدق الأقوال فضل الأعمال.

وراء ذلك أدبٌ بلغ به الأرب، وملأ دلوه منه إلى عقد الكرب.

فمن شعره الذي تقف دونه الأطماع، وتشنف به على السماع الأسماع.

قوله في مليح قارىء:

وتالٍ لآيِ الذِّكْرِ قد وقفتْ بنا ... تلاوتُه بين الضَّلالة والرُّشْدِ

بلفظٍ يسُوق الزاهدين إلى الخَنَا ... ومعنىً يشُوق العاشقين إلى الزهدِ

وقوله:

وذي هَيَفٍ ما الوردُ يوماً ببالغٍ ... حُلَى وَجْنتيْه في احمرارٍ ولا نَشْرِ

برِئْنا من العَلْياء إن سِيمَ وصلُه ... عليْنا بما فوق النفوسِ ولا نَشْرِي

وقوله متغزلاً:

حسناءُ ساءتْ صَنِيعاً في مُتيَّمِها ... يا ليتَها شفَعت حُسْناً بإحْسانِ

دَنَتْ إليه وما أدْنتْ مَودَّتَها ... فما انتفاعُ امرىءٍ بالباخِل الدَّانِي

جعفر أبو البحر بن محمد الخطي العبدي أحد بني عبد قيس الخط والحظ للخطى، وهذا من الجناس الخطي.

فآثار قلمه زينة الصحائف، وأخبار أدبه حلية التحائف.

وهو أحد الجلة المشاهير، وأوحد أولئك الجماهير.

وله في البحرين حديثٌ فاح أريجه، وتدفق بالثناء نهره وخليجه، فأنشد لسان مجده:

وهل يُنْبِتُ الخَطِّيَّ إلاَّ وشِيجُه

فكم زمت إليه المطية، وركزت على رماحه الخطية.

وقد أثبت له ما يسو على النيرين، ويحسد اتساقه ما يخرج من بين البحرين.

فمنه قوله:

عاطِنيها قبل ابْتسام الصباحِ ... فهْي تُغنيك عن سَنا المِصباحِ

أنت تدْرِي أن المُدامة نارٌ ... فاقْتدِحْها بالصَبِّ في الأقداحِ

فهْي تمحُو بضَوئها صِبْغةَ اللَّيْ ... لِ فيغدُو وجهُ الدجَى وهْو ضاحِ

وإذا ما أحاط بِي وفْدُ هَمٍ ... مُهدِياً لي طرائفَ الأتْراحِ

فارْسِلَنْها وَرْدِيَّة كدَمِ الظَّبْ ... يِ أسالتْه مُدْيةُ الذَّبَُّّاحِ

فهي تُقْصِي إمَّا دَنتْ وارِدَ الهَمِّ ... وتُدْنِي شواردَ الأفْراحِ

ألْحَفتْ في السؤالِ هل من فَكاكٍ ... لأسيرٍ ما إنْ له من بَراحِ

مَزَجُوها فقيَّدوها فلو تُتْ ... ركُ صِرْفاً طارتْ بغير جَناحِ

يا خليلِي ولا أرَى لي من النا ... سِ خليلاً إلاَّ فتىً غير صاحِ

يتلقَّى عَذْلَ العَذُولِ بهَيْها ... تَ ويحْثُو في أوْجُه النُّصَّاحِ

ألِفَ الرَّاحَ فهْو بين اغْتباقٍ ... لا يُنادَى وليدُه واصْطباحِ

رُحْ على الرَّاس بي فليس على الأجْ ... سامِ عَيْبٌ في السَّعْيِ للأرواحِ

واسْقِنيها صِرفاً فللنَّارِ نأتْ ... جانباً عن وِصال ماءٍ قَراحِ

خيرُ ما يُشرَب المُدامُ عليه ... وجهُ خَوْد من الكَعابِ رَداحِ

ذات قَدٍ تثْني الغصونُ عليها ... حين يهْفو بها نسيمُ الصباحِ

فوقه طُرَّةٌ تُظِلُّ مُحَيّاً ... جائلاً ماؤُه مُضِيء النَّواحِي

فهْي من نُورِ وجهِها وظلامِ الشَّ ... عرِ في حالتيْ مَساً وصَباحِ

وثُغورٌ يُخَلْنَ في بارد الظَّلْ ... مِ حَباباً يطْفُو على وجهِ راحِ

ما تَرى الدهرَ كيف رقَّتْ ليالي ... هـ فشقَّتْ عن أوْجُه الأفراحِ

ولما دخل بأصبهان، اجتمع بالبهاء الحارثي، وعرض عليه أدبه، فاقترح عليه معارضة قصيدته التي مطلعها:

سرَى البرقُ من نَجْدٍ فهيَّج تَذْكارِي ... عهوداًبحُزْوَى والعُذَيبِ وذي قارِ

فعارضها بقصيدة طنانة، أولها:

هي الدارُ تسْتسْقِيك مَدْمعَها الجارِي ... فسَقْياً فخيرُ الدمعِ ما كان للدَّارِ

ولا تسْتضِع دمْعاً تُرِيق مَصُونَه ... لِعزَّته ما بين نَوْءٍ وأحْجارِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015