هذان البيتان قديمان، فكأنه ضمنهما.

وللخفاجي ما هو أعجب من هذا؛ وهو قوله:

لزُناةِ الأنام حَدٌّ ورَجْمٌ ... وبِنَفْيٍ كم غَرَّب الشرعُ زَانِي

وزمانِي قد لَجَّ في تغْرِيبي ... أتُرانِي قد نِكْتُ أمَّ الزمانِ

التغريب عند أبي حنيفة منسوخ في حق البكر، وعامة أهل العلم على أنه ثابت، على ما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، ضرب وغرب.

يا عرباً باللِّوَى وكاظِمةٍ ... لي في مَقَاصِير حَيِّكم أرَبُ

بأهْيَفٍ كالقضِيبِ إن هتفَتْ ... صَباه سقتْهُ أعْيُني السُّكْبُ

كالشمس أنوارُه وغُرَّته ... فماله بالظَّلام ينْتقِبُ

تسْفَح من سَفْح مُقْلتِي سُحُبٌ ... إذْ لاح مِن فيهِ بارِق شَنِبُ

كأنَّما فيْضُها ووابِلُها ... أعارَه الفَيْضَ راشِدُ النَّدْبُ

ومن جيد شعره قوله يمدح الشريف راشداً:

إلى مَ انْتظارِي للوصالِ ولا وَصْلُ ... وحتَّى مَ لا تدْنو إليَّ ولا أسْلُو

وبين ضُلوعي زَفْرةٌ لو تَبوَّأتْ ... فؤادَك ما أيْقنْتَ أن الهوى سَهْلُ

جميلاً بصَبٍ زادَه النَّأْيُ سَلْوةً ... ورِفْقاً بقلبٍ مَسَّه بعدك الخَبْلُ

إذا أطْرفتْ منك العيونُ بنَظْرةٍ ... فأيْسَرُ شيءٍ عند عاشقِك القتلُ

أمُنْعِمةٌ بالزَّوْرةِ الظبيةُ التي ... بخَلْخَالِها حِلْمٌ وفي قُرْطِها جَهْلُ

ومَن كُلَّما جَّردْتها من ثيابِها ... كساها ثياباً غَيْرَك الفاحمُ الجَثْلُ

هذا البيت من قصيدة المتنبي الفائية، أولها:

لِجِنِّيَّةٍ أم غادةٍ رُفِع السِّجْفُ

لم يغير فيه إلا القافية، وهي الوحف.

والوحف: الشعر الكثير الملتف.

والجثل: الكثير اللين.

سقى المُزْنُ أقواماً بوَعْسَاءِ رَامةٍ ... لقد قُطِّعتْ بيني وبينهم السُّبْلُ

وحَيَّى زماناً كلما جئتُ طارقاً ... سُلَيْمَى أجابتْني إلى وصْلِها جُمْلُ

معناه أن الحسان يطلبن وصله لما يرون من لباقته.

وأخرج منه قول الأمير المنجكي:

قضَيْتُ حَقَّ الصِّبا وفي كبدِي ... هوىً عليه الحِسانُ في جَدَلِ

والذي حاز قصبات السبق في هذا العتبى، في قوله:

رأيْنَ الغوانِي الشيبَ لاح بمَفْرِقِي ... فأعْرَضْنَ عنِّي بالخدُودِ النَّواضرِ

وكُنَّ إذا أبْصَرْنَنِي أو سَمِعْنَ بي ... سَعَيْن فرقَّعْنَ الكُوَى بالمَحاجِرِ

ولقد أبدع الوزير أبو محمد بن عبد الغفور الأندلسي، من رقعة: كنت والشباب نضر الحلى، قبل حلول هذا الشيب الذي علا، كريماً على ذات الطلى، لا تعترض في لمكان القلة بلولا.

ولما طار غراب الشباب بان المشيب، ورحت رث الجلباب بعد كل سحتٍ قشيب.

سمعتهن حيناً يتبرمن، وحيناً يترنمن، إلا أنهن يجمجمن ولا يترحمن.

وبفضل حاستي ولله الحمد ما فهمت الوزن، فلما استقريت لتعرف حروفه السهل والحزن، عثر لهجي في تطلب تلك الضالة بلعل وعسى، بقول الملك الضليل:

ألِمَّا على الرَّبْعِ القديمِ بِعَسْعَسَا

ولم أزل بعد محدثاً موسوسا، حتى سقط بي اليقين على قوله، وقد ساءني في صدر هذا الرأي:

أرَاهُنَّ لا يُحْبِبْنَ مَن قَلَّ مالُه ... ولا مَن رأَيْنَ الشيبَ فيه وقَوَّسَا

وإذا قوس ظهر المرء فقد استحال جماله، فإذاً، قاتلهن الله، يحببن القبيح ذا المال، والفقير ذا الجمال.

تتمة القصيدة:

تَوَدُّ ولا أصْبُو وتُوفِي ولا أفِي ... وأنْأَى ولا تَنْأى وأسْلُو ولا تَسْلُو

إذِ الغُصْنُ غَضٌّ والشَبابُ بمائِهِ ... وجِيدُ الرِّضَا من كلِّ نائِبةٍ عُطْلُ

ومِن خَشْيةِ النارِ التي فوق وَجْنتِي ... تقاصَر أن يدنُو بعارِضِيَ النَّمْلُ

برُوحِيَ مَن ودَّعْتُها ومدامعِي ... كسِقْطِ جُمانٍ جُذَّ من سِمْطِه الحَبْلُ

كأن قِلاصَ المالِكيَّةِ نَوَّخَتْ ... على مَدْمعِي فارْفَضَّ مُذْ سارتِ الإبْلُ

هذا من قول المتنبي:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015