أحدهما: أهل الحفظ والفهم الذين حفظوه وعقلوه وفهموا معانيه واستنبطوا وجوه الأحكام والحكم والفوائد منه، فهؤلاء بمنزلة الأرض التي قبلت الماء وهذا بمنزلة الحفظ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وهذا هو الفهم فيه والمعرفة والاستنباط فإنه بمنزلة إنبات الكلأ والعشب بالماء، فهذا مثل الحفاظ الفقهاء أهل الرواية والدراية.
والقسم الثاني: أهل الحفظ الذين رزقوا حفظه ونقله وضبطه، ولم يرزقوا تفقُّهًا في معانيه ولا استنباطًا ولا استخراجًا لوجوه الحكم في والفوائد منه، فهم بمنزلة من يقرأ القرآن ويحفظه ويراعي حروفه وإعرابه ولم يرزق فيه فهمًا خاصًا عن الله كما قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: (إلا فهمًا يؤتيه الله عبدًا في كتابه). والناس متفاوتون في الفهم عن الله ورسوله أعظم التفاوت، فَرُبَّ شخص يفهم من النص حكمًا أو حكمين، ويفهم الآخر منه مائة أو مئتين، فهؤلاء بمنزلة الأرض التي أمسكت الماء للناس فانتفعوا به، هذا يشرب، وهذا يسقي، وهذا يزرع، فهذان القسمان هم السعداء، والألوان أرفع درجة وأعلى قدرًا و {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 21].
والقسم الثالث: الذي لا نصيب لهم منه لا حفظًا ولا فهمًا ولا رواية ولا دراية، بل هم بمنزلة الأرض التي هي قيعان لا تنبت ولا تمسك الماء، وهؤلاء هم الأشقياء، والقسمان الأولان اشتركا في العلم والتعليم كل بحسب ما قبله ووصله، فهذا يعلم ألفاظ القرآن ويحفظها، وهذا يعلم معانيه وأحكامه وعلومه، والقسم الثالث لا علم ولا تعليم، فهم الذين لم يرفعوا بهدى الله رأسًا ولم يقبلوه، وهؤلاء شر من الأنعام، وهم وقود النار، فقد اشتمل هذا الحديث الشريف العظيم على التنبيه على شرف العلم والتعليم وعظم موقعه وشقاء من ليس من أهله، وذكر أقتسام بني آدم بالنسبة إلى شقيهم وسعيدهم وتقسيم