والراعي إذا لم يقصد بسائمته المراعي الطيبة، وينتجع مساقط الغمائم الصيّبة، ويوردها الماء النمير، ويبتغ لها النماء والتثمير، ويصلح خللها، ويداو عللها، قلّ عددها، وعدمت غلّتها وولدها، فندم على ما ضيعه في أمسه، وجنى عليها وعلى نفسه.

وألفيناكم في أيامنا هذه الميامن عليكم قد غمرتكم آلاء الله تعالى ونعمه، وملأت أيديكم مواهبه وقسمه، وشغل عدوّكم بفتنة قومه فنمتم للعافية فوق مهاد، وبعد عهدكم بما تقدم من جهد وجهاد، ومخمصة وسهاد، فأشفقنا أن يجركم توالي الرخاء إلى البطر، أو تحملكم العافية على الغفلة عن الله تعالى وهي أخطر الخطر، أو تجهلوا مواقع فضله تعالى وكرمه، أو تستعينوا على معصيته بنعمه، فمن عرف الله تعالى في الرخاء وجده في الشّدّة، ومن استعد في المهل وجد منفعة العدّة، والعاقل من لا يغتر في الحرب أو السلم بطلو المدة، فالدهر مبلي الجدّة، ومستوعب العدّة، والمسلمون إخوانكم اليوم قد شغلوا بأنفسهم عن جبركم، وسلموا لله في نصركم، ونشبت الأيدي ولا حول ولا قوّة إلا بالله بثغركم، وأهمتهم فتن تركت رسوم الجهاد خالية خاوية، ورياض الكتائب الخضر ذابةل ذاوية، فإن لم تشمّروا لما بين أيديكم في هذه البرهة فماذا تنتظرون وإذا لم تستنصروا بالله مولاكم فبمن تستنصرون وإذا لم تستعدّوا في المهل فمتى تستعدون لقد خسر من رضي في الدنيا والآخرة بالدون، فلا تأمنوا مكر الله " فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون " الأعراف: 99.

ومن المنقول عن الملل، والمشهور في الأواخر والأول، أن المعصية إذا فشت في قوم أحاط بهم سوء كسبهم، وأظلم ما بينهم وبين ربهم، وانقطعت عنهم الرحمات، ووقعت فيهم المثلات والنقمات، وشحّت السماء، وغيض الماء، واستولت الأعداء، وانتشر الداء، وجفّت الضّروع، وأخلفت الرضوع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015