يفل السيوف بأقلامه ويكسر صم القنا بالقصب
وكان القائد أبو عمرو عثمان بن يحيى بن إبراهيم أجل من جال في خلد، واستطال على جلد، رشأ يحيى باحتشامه، ويسترد البدر بلثامه، ويزري بالغصن تثنيه، ويثمر الحسن لو دنت قطوفه لمجتنيه، مع لوذعية تخالها جريالا، وسجية يختال فيها الفضل اختيالا، وكان قد بعد عن أنسنا بحمص، وانتضى من تلك القمص، وكان بثغر الأشبونة فسده، ولم ينفرج لنا من الأنس بعده ما يسد مسده، إلى أن صدر، فأسرع إلينا وابتدر، فالتقينا وبتنا ليلة نام عنها الدهر وغفل، وقام لنا بما شئنا فيها وتكفل، فبينا نحن نفض ختامها، وننفض عنا غبار الوحشة وقتامها، إذا أنا بابن لبال هذا وقد دخل إذنه علينا فأمرناه بالنزول والتقيناع بترحيب، وأنزلناه بمكان من المسرة رحيب، وسقيناه صغاراً وكباراً، وأريناه إعظاماً وإكباراً، فلما شرب، طرب، وكلما كرعها، التحف السلوة وتدرعها، ومازال يشرب أقداحاً، وينشد فينا أمداحاً، ويفدي بنفسه، ويستهدي الاستزادة من أنسه، فهتكنا الظلام بما أهداه من البديع، واجتلينا محاسنه كالصديع (?) ، وانفصلت ليلته عن أتم مسرة، وأعم مبرة، وارتحل عثمان أعزه الله إلى ثغره، وأقام به برهة من دهره، فمشيتبها إليه مجدداً عهداً، ومتضلعاً من مؤانسته شهداً، فكتب ابن لبال هذه القطعة من القصيدة يذهب إلى شكره، ويجتهد في تجديد ذكره:
ما شام إنسان إنسان كعثمان ولا كبغيته من حسن إحسان
بدر السيادة يبدو في مطالعه من المحلسن محفوفاً بشهبان
له التمام وما بالأفق من قمر متمم دون أن يرمى بنقصان
به الشبيه تزهى من نضارتها كما تساقط طل فوق بستان