لله يوم مسرة أضوا وأقصر من ذباله

لما نصبنا للمنى فيه بأوتار حباله

طار النهار به كمر تاع وأجفلت الغزاله

وهذا المعنى لم يسبق إليه، ولم يقدر أحد أن ينتزعه من يديه.

ولما وصل صحبة والده إلى إشبيلية افتتن بواديها، واعتكف على الخلاعة فيها، مصعداً ومنحدراً بين بساتينه ومنازهه، فمر ليلة بطريانة فمال نحو منزه فيه طرب سمعه، فاستوقفه هنالك، وهو في الزورق متكئ وأصحابه وأصحاب أبيه مظهرون انحطاطهم عنه في المرتبة، فأخرج رأسه أحد الأنذال المعتادين بالنادر من شرجب، - والشرجب: هو الدرابزين من خشب فيه طاقات، وطريانة مقابلة إشبيلية، وبها المنازه والأبنية الحسنة - فضرط له ذلك النذل بغاية ما قدر، فرفع رأسه وقد أخذ منه السكر، ولم يعتد مثل ذلك في بلده، وقال: يا سفلة (?) ، أتقدم علي بهذا قبل معرفتي! فثنى عليه والحدة أخرى، ثم رفع ثوبه عن ذكره وهو منعظ، وقال: يا وزير اجعل هذا عندك وديعة حتى أعرف من تكون، ثم رفع ما على استه من ثيابه وقال: واعمل من هذا غلافاً للحيتك فإذا عرفناك ذهبناه لك؛ فغلبه الضحك على الحرج، وجعل أصحابه يقولون له: ما سمعت أن من دخل هذا الوادي يعول على هذا وأمثاله فمال عن ذلك المنزه قليلاً، وأطرق ساعة وقال:

نهر حمص لا عدمنا ك فما مثلك نهر

فيك يلتذ ارتياح أبد الدهر وسكر

كل عمر قد خلا من ك فما ذلك عمر

خصه الله بمعنى فيه للألباب سر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015