أشرفهم في التقى مواطن، ما علمت له صبوة، ولا حلت له إلى مستنكر حبوة، مع عدل لا شيء يعدله، وتحجب عما يتقى مما يرسل عليه حجابه ويسدله، وكان لصاحب البلد الذي كان يتولى القضاء به ابن من أحسن الناس صورة، وكانت محاسن الأقوال والأفعال عليه مقصورة، مع ما شئت من لسن، وصوت حسن، وعفاف، واختلاط بالبهاء والتفاف، قال الفتح: وحملنا لإحدى ضياعه بقرب من حضرة غرناطة فحللنا قرية على ضفة نهر، أحسن من شاذ مهر، تشقها جداول كالصلال، ولا ترمقها الشمس من تكاثف الظلال، ومعنا جملة من أعيانها، فأحضرنا من أنواع الطعام، وأرانا من فرط الإكرام والإنعام، ما لا يطاق ولا يحد، ويقصر عن بعضه العد، وفي أثناء مقامنا بدا لي من ذلك الفتى المذكور ما أنكرته، فقابلته بكلام أعتقده، وملام أحقده، فلما كان من الغد لقيت منه اجتناب، ولم أر منه ما عهدته من الإنابة، فكتبت إليه مداعباً له، فراجعني بهذه القطعة:
أتتني أبا نصر نتيجة خاطر سريع كرجع الطرف في الخطرات
فأعربت عن وجد كمين طويته بأهيف طاو فاتر اللحظات
غزال أحم المقلتين عرفته بخيف منى للحسن أو عرفات
رماك فأصمي والقلوب رمية لكل كحيل الطرف ذي فتكات
وظن بأن القلب منك محصب فلباك من عينيه بالجمرات
تقرب بالنساك في كل منسك وضحى غداة النحر بالمهجات
وكانت له جيان مثوى فأصبحت ضلوعك مثواه بكل فلاة
يعز علينا أن تهيم فتنطوي كئيباً على الأشجان والزفرات
فلو قبلت للناس في الحب فدية فديناك بالأموال والبشرات
ومن إيثار ديانته، وعلامة حفظه للشرع وصيانته، وقصده مقصد المتورعين، وجريه جري المتشرعين، أن أحد أعيان بلده كان متصلاً به اتصال الناظر