فكم وشى بها من مطارف للبلاغة وكم عنّم، حتى يظن الرائي عود منبره من وعظه مائساً، ولئن مال من سجع الحمام رطباً فقد مال من سجع هذا الإمام يابساً، وترجم على من لقي من الأعيان بسحر البيان، وفصّل أحوالهم بأحسن تبيان، وعدّتهم أربعة آلاف شيخ وناهيك بهذه مزية تقاد لها الفضائل في أرسان، وأرى تحقيق قول القائل: جمع الله تعالى العالم في إنسان، وله موضوعات مفيدة من حديث وفقه ونظم ونثر، وله مسند غريب جمع فيه مذاهب العلماء المتقدمين والمتأخرين (?) ، وهو أشهر من نار على علم، وكان يكتب بالقلمين المغربي والمشرقي، وكلاهما في غاية الجودة، ومثل هذا يعدّ نادراً، توفي شهيداً مطعوماً من أناس كانوا يحسدونه، فختم الله تعالى له بالشهادة، وبوّئ بها دار السعادة، وتوفي سنة 663 بمكة، ومولده سنة 598، رحمه الله تعالى ورضي عنه ونفعنا بأمثاله.
220 - ومنهم الكاتب أبو القاسم خلف بن عبد العزيز بن محمد بن خلف الغافقي القبتوري (?) - بفتح القاف، وسكون الباء الوحدة، وفتح التاء ثالثة الحروف، وسكون الواو، وبعدها راء - الإشبيلي المولد والمنشأ، ولد في شوال سنة 615، وقرأ على الأستاذ الدباج كتاب سيبويه والسبع، وله باع مديد في الترسّل مع التقوى والخير، وله إجازة من الرضي بن برهان والنجيب بن الصيقل، وكتب لأمير سبتة، وحدث بتونس عن الغرافي، وجاور زماناً، وتوفي بالمدينة سنة 704 (?) ، وحج مرتين.
قال أبو حيان: قدم القاهرة مرتين، وحج في الأولى، وأنشدني من لفظه لنفسه:
أسيلي الدمع يا عيني ولكن دماً، ويقلّ ذلك لي، أسيلي