كلامه الفساد، وأن لا يقدم (?) على تخطئة أحد ببادي الرأي، وأن يترك الخوض في علوم الأوائل، وأن يجعل اشتغاله بعلوم الشريعة، وأن لا ينكر على الفقراء، وليسلم لهم أحوالهم، وينبغي للعاقل أن يلزم نفسه التواضع لعبيد الله سبحانه وتعالى، وأني جعل نصب عينيه أنه عاجز مفتقر، وأن لا يتكبر على أحد، وأن يقلّ من الضحك والمزاح والخوض فيما لا يعنيه، وأن يتظاهر لكلٍّ بما يوافقه فيما لا معصية لله تعالى فيه ولا خرم مروءة، وأن يأخذ نفسه باجتناب ما هو قبيح عند الجمهور، وأن لا يظهر الشكوى لأحد من خلق الله تعالى، وأن لا يعرض بذكر أهله، ولا يجري ذكر حرمه بحضرة جليسه، وأن لا يطلع أحداً على عمل خير يعمله لوجه الله تعالى، وأن يأخذ نفسه بحسن المعاملة من حسن اللفظ وجميل التقاضي، وأن لا يركن إلى أحد إلاّ إلى الله تعالى، وأن يكثر من مطالعة التواريخ فإنها تلقح عقلاً جديداً، والله سبحانه وتعالى أعلم. انتهت وصية أبي حيان الجامعة النافعة، وقد نقلتها من خط الشيخ العلامة أبي الطيب ابن علوان التونسي المالكي الشهير بالمصري، وهو ممّن أخذ عن تلامذة الشيخ أبي حيان، رحمه الله تعالى.

قلت: وبما في هذه الوصية من نهيه عن الطعن في صالحي الأمة نفع الله تعالى بهم وأمره التسليم لأحوالهم وعدم الإنكار عليهم؛ تعلم أن ما نقله الصفدين عنه فيما تقدم من قوله إن الشيخ أبا مدين إلى آخره كلام فيه نظر، لأن أبا حيان رضي الله تعالى عنه لا ينكر كرامات الأولياء، كيف وقد ذكر رحمه الله تعالى منها كثيراً، فمن ذلك ما حكى عنه تلميذه الرعيني بسنده إلى الفقيه المقرئ الصالح أبي تمام غالب بن حسن بن أحمد بن سيد بونه الخزاعي، حدث أنه زار قبر أبي الحسن ابن جالوت، ولم يكن زاره قبل، فاشتبه عليه فتركه، فسمع النداء من قبر معين: يا غالب أتمشي وما زرتني فزار ذلك القبر، وقعد عنده، ثمّ جاء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015