وأسواق صروف الدهر كاسدة، وفما كانت إلاّ لمحة الطرف، ووثبة الطّرف، ولمعة البرق الخاطف، وزورة الخيال الطائف، وما تذكر تلك الأيّام في أكناف فضائله ونضرتها، ورياض علومه في ظلّه وخضرتها، إلاّ أوجب على عينه أن تدمع، وانثنى على كبده خشية أن تصدّع (?) ، ثم لمّا ورد على عبدكم مكتوبكم الكريم، صحبة حضرة العم المحبّ القديم، فكان كالعافية للصبّ السقيم، كما يشهد بذلك السميع العليم، فوقف له منتصبا، وخفّف عنه برؤيته وصبا، وذكر أيام الجمع فهام وجداً وبها صبا، فاستخفّه الإعجاب طربا، وشاهد صدوره فقال: هكذا تكون الرياض، وعاين لطفه فقال: هكذا تكون الصّبا، وقبّل كل حرف منه ووضعه على الراس، وحصل له بعد ترقّبه غاية المجاورة (?) والاستئناس، فعند ذلك أنشد قول بعض الناس:

ورد الكتاب فكان عند وروده ... عيداً، ولكن هيّج الأشواقا

ألفاته قد عانقت صاداته ... كعناق مشتاق يخاف فراقا

فكأنّما النّونات فيه أهلّة ... وكأنّما صاداته أحداقا

فعسى الإله كما قضى بفراقنا ... يقضي لنا يوماً بأن نتلاقى فجعلته نصب عيني أتسلى به عند استيلاء الشوق على قلبي، وأطفئ بتأمّله نيران وجدي إذا التهبت في صدري، وسررت به سرور من وجد ضالة عمره، وأدرك جميع أمانيه من دهره، وأنست بتصفّحه أنس الرياض بانهلال القطر، والساري بطلوع البدر، والمسافر بتعريس (?) الفجر، وكيف لا وقد أصبح في وجه الأماني خدّا، بل في خدّها وردا، وصار حسنة من حسنات دهري،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015