مع كونه كان يعظمه إلى الغاية، وقدّم، رحمه الله تعالى، لصاحب دمشق قصة يقول فيها عن نفسه: إنه أعلم الناس بالعربية والحديث، ويكفيه شرفاً أن من تلامذته الشيخ النووي (?) ، والعلم الفارقي، والشمس البعلي، والزين المزّي، وغيرهم ممن لا يحصى.
وكان، رحمه اله تعالى، كثير المطالعة، سريع المراجعة، لا يكتب شيئاً من محفوظه حتى يراجعه في محله، وهذه حالة المشايخ الثقات، والعلماء الأثبات، ولا يرى إلا وهو يصلي أو يتلو أو يصنف أو يقرأ، وكذا كان الشيخ أبو حيّان، ولكن كان جدّه في التصنيف والإقراء.
وحكي أنه توجه يوماً مع أصحابه للفرجة بدمشق، فلما بلغوا الموضع الذي أرادوه غفلوا عنه بسويعة، فطلبوه فلم يجدوه، ثم فحصوا عنه فوجدوه منكبّاً على أوراق.
وأغرب من هذا في اعتنائه بالعلم ما مر أنه حفظ يوم موته عدة أبيات حدّها بعضهم بثمانية، وفي عبارة بعض أو نحوها لقنه ابنه إياها، وهذا ممّا يصدق ما قيل: بقدر ما تتعنى، تنال ما تتمنى، فجزاه الله خيراً عن هذه الهمة العلية.
وذكر أبو حيان في الجوازم من تذييله وتكميله، أنه لم يصحب من له البراعة في علم اللسان، ولذا تضعف استنباطاته وتعقّباته على أهل هذا الشان، وينفر من المنازعة، والمباحثة والمراجعة، قال: وهذا شأن من يقرأ بنفسه، ويأخذ العلم من الصحف بفهمه، ولقد طال فحصي وتنقيري عمّن قرأ عليه، واستند في العلم إليه، فلم أجد من يذكر لي شيئاً من ذلك، ولقد جرى يوماً مع صاحبنا تلميذه علم الدين سليمان بن أبي حرب الفارقي الحنفي فقال: ذكر لنا أنه قرأ على ثابت بن خيار من أهل بلده، جيّان، وأنه جلس في حلقة