وصدر عني إلى هذا العهد من التواليف والنَّظْم والنثر على سكون النفس وعدم التطلع لما يفتق القريحة ويشحذ الفكرة ما يُرسم.
فمن ذلك من التواليف: كُنَّاشٌ من منظوم في عروض الرَّجَز محذوف الفضول لا غاية فوقه في الأراجز، ولله دَرُّ القائل حمد الله وأثنى على نفسه، في فن أصول الفقه عدة أبياته ألف بيت. وآخر سميته) الحُلَل المَرْقُومَة في اللَّمع المَنْظومة (، وأرجوزة أخرى في فن العلاج من صَنْعَةِ الطب عدد أبياتها نحو ألف وستمائة بيت تضمن ذكر جميع الأمراض الكلية والجزئية وذكر أسبابها وعلاماتها وتدبيرها وجلب العلاج بحسب أحوالها.
1. - واستوفى بعد، كتاب الرتبة وعلاج السموم سميتها) بالأرجوزة المعلومة (إذ تقدم قبلي من نظم في مثل هذا الغرض وسماها الأرجوزة المجهولة، ونظمت أرجوزة ثالثة في فن السياسة من أجزاء العلم القديم في نحو ستمائة بيت سميتها:) تخصيص الرياسة بتلخيص السياسة (، استوفى الكلام في القوى الثلاث النفسية وعلاج الأخلاق والمعاش. وصدر عني كناش سميته،) مُثْلَى الطريقة في ذَمِّ الوثيقة (، أَوْجَبَتْهُ محاورةٌ صدرت في ذلك بيني وبين بعض شيوخها تضمنت نظماً ونثراً وفقهاً وحكاية.
وصدر عني مجموعٌ يشتمل على الأناشيد التي تحصلت لي مُتَلَقّاة ومنتزعة لم يَعثر على مثله في حسن الاختيار تضمن ضَرْبي المُطْرِب والمُرْقِص وتَقَدَّمَه كلامٌ علميٌّ في الشعر وسميته:) السحر والشعر (، مرتباً على الأغراض.
ومن المنظوم قولي على لسان السلطان مولاي أبي عبد الله وقد اشتد وجده لذكر معاهده الملكية بغرناطة، وكلفني ذلك:
أيامُ قُربِكِ عِندي ما لَها ثَمَنُ ... لكنَّني صدَّني عن قُربِكَ الزَّمنُ
حطَطَتُ بَعْدَكِ يا أهلي ويا وَطني ... رَحْلَ الغَريبِ فلا أهْلٌ ولا وَطَنُ
ثد حَلَّ حُبَّكِ مِنْ قَلبي بِمَنزِلةٍ ... لا الماءُ يجري مجاريها ولا اللبنُ
لَمَّا تحمل عَنكِ الرَّكْب مُرتَحِلاً ... والقلبُ فيكِ غَدَاةَ البَيْنِ مُرْتَهَنُ
واللهِ ما سَكَنَتْ نفسي إلى أحدٍ ... يوماً ولا راقَ عينِي مَنْظَرٌ حَسَنُ
كَمْ لي بربعك من أنس ومن طرب ... كأنما كان حُلْماً جَرَّهُ الوسَنُ
والأمر أمري والدنيا مُسَخَّرَةٌ ... وكلُّ قَصْدٍ به الإسعادُ مُقْتَرِنُ
حتى تنبه جَفْنُ الدَّهْرِ مِنْ سِنَةٍ ... والدهر مضطرب والحرُّ مُمتحن
حمامةَ البَانِ ما هذا البكاءُ على ... مَرِّ الزمان وهذا الشَّجْوُ والشَّجَنُ
لا مسكن بنتَ عنه أنتَ تندبه ... ولا حبيبٌ ولا خلٌّ ولا سَكَنُ
كفٌّ خصيبٌ وأطواقٌ مُلَوَّنَةٌ ... ما هكذا البث يا ورقاء والشجنُ
لو كنتَ تنفث عن شوق منيت به ... يوماً لصار رماداً تحتك الغصن
يا نَسْمَةَ الريح كيف الدار هل عمرت ... كلاَّ وهل أخصبت من بعدها الدِّمَنُ
لعل من قد قضى يوماً بفُرقَتِنَا ... تحلّ منه برفع الفُرقة المِنَنُ
نستغفر الله كم لله من منح ... لُذْنَا بها بعد أن لاذت بنا مِحَنُ
ونسأل الله في عُقْبَى نُسَرُّ بها ... فقد تساوى لديه السر والعلن
ولما شَرَحَ كتابَ الشفاء العياضي، خطيب الخلافة وكبير أوليائها السيد الفقيه أبو عبد الله بن مرزوق، طلب أهل العدوتين بالنظم في كتاب الشفا فطما من ذلك البحر ما بين مجيد ومقصر. فقلت في ذلك وقد عُرض عليّ الجميع وأنا بمدينة سلا حرسها الله، ووجهتُ بها إليْه:
حييت يا مختط سبت بن نوحْ ... بكل مُزْن يغتدي أو يَرُوحْ
وحمل الريحان ريح الصبا ... أمانةً فيك إلى كل روح
دار أبي الفضل عياضِ الذي ... أضحت برَيَّاهُ رياضاً تفوح
يا ناقل الآثار يعنى بها ... وواصلاً في العلم جَرْيَ الجَمُوح
طِرْفُكَ في الفخر بعيد المدى ... طَرْفُكَ للمجد شديد الطموح
كفاك إعجازاً كتابَ الشفا ... والصبح لا يُنْكَرُ عند الوضوح
لله ما أجزلتَ فينا به ... من منحة تقصر عنها المُنُوح
روض من العلم هَمَى فوقَه ... من صَيِّبِ الفكر الغمامُ السَّفوح
فمن بيان الحق زهر ندٍ ... ومن لسان الصدق طير صدوح