وقد كان الرئيس أبو عبد الله بن نصر الشهير الموقف، المثل بين أفراد هذا البيت في الشجاعة والإيثار، وصدق الحَمِيَّة لهذا العهد، عاد من تشييعه السلطان أبا عبد الله بن نصر المتوجه إلى الأندلس طالباً بوِتْرِه ومؤملاً للكرة على دار ملكه لما سُقِط لموت ملك المغرب في يده، وفارقه مَنْ عَيَّنَهُ لإعانته من جنده، فأزعجه ثاني يوم وصوله إلى استجلاب السلطان المذكور واستخلاصه من إيالة سلطان قشتالة. وقد كانت السَّلم ارتفع حكمها لوفاة عاقدها، وعادت هَيْفُ الغِرَّة إلى أديانها من فساد طريقي البحر والبر، فظهر العدو البحري على بعض الأساطيل القافلة من الأندلس خاوية من الرجال فاقتادوها برمتها، وقارضه من بالجبل من حماة الإسلام صرف النكاية فصبَّحوا حصن أشويس على غفلة وإهمال احتراس من مسلحة العدو به فتملكوه وجمعوا الأيدي على هدمه فصيروه قاعاً صفصفاً على قوة أسْره، وعادى بنائه، وتلاحم كلسه، وضخامة صفاحه وعَمَدِه، فسار هذا الرئيس الشهم لطيّته والأمير عبد الحليم محاصر دار المُلك، ونذر به فأتبعه صِرْمة عدت خلفة مقصرة عن لحاقه متجافية عن مناوشته، فلحق بطنجة وقد سدّها هذا القائم بالجُذَيْلِ المُحَكَّكِ والعُذَيْقِ المرَجَّب، سليمان بن داود ثاني وزيري الحائن وقد سار فيه سيرته في صاحبه من الامتنان والاستعانة على ضبط مدينتي طنجة وسبتة. وعبر الرسول البحر واتصل ببلاد الروم، وتأتى القصد من بعثة الأمير بعد شروط أكدها الطاغية فكان حلوله بسبته في العاشر من شهر صفر من عام التاريخ، وبودر لما اتصل الخبر بتوجيهه الجملة من الحامية الكائنين بالبلد الجديد لإيصاله، فنفذ ذلك وسهّل الله عليه الصعب فقد كان عدوه الظاهر على مدينة مكناسة مركز الفحص الأفيح بين يدي الحضرة أرصد له وعزم على القطع به فأعجله عن الحيلة، وصدرت كتبه مؤرخة بيوم الاثنين الحادي والعشرين من الشهر يستحث من بمراكش من أولي التواطؤ على طاعته أخبث ما كانوا رأياً وأظهر فرقاً.

وقد كان الشيخ يحيى بن رحو وسوس لهم وأزلّهم فثبتوا مولين غدر اليمين، فانصرف من خيمة الشيخ مبارك وقد علق الانقياد له بانقياد صاحبه عامر بن محمد وتماسكوا وقد استهواهم بعض الهوى فطاروا قُدُماً على وجوههم وكان حلولهم بمدينة سلا حرسها الله في السادس والعشرين من الشهر ملتفَّاً أمرهم على عميد الصُّقع عامر بن محمد وشيخ عرب الخلط مبارك بن إبراهيم بن علي بن مهلهل المقصود الحلة إلى من سواهُمها كشيخ عرب سفيان وعرب العاصم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015