بل يحكم به مطلقا في نفس الأمر مثل قوله عليه السلام: (إنما الماء من الماء)، وقد يقصد به بعض الاعتبارات، وبعض المتعلقات كقوله تعالى: (إنما أنت منذر) [الرعد:7] حصر نبيه عليه السلام- في وصف النذارة، ومقتضى هذا الحصر ألا يوصف بالبشارة، ولا غيرها من الصفات، مع أن صفاته الجليلة الجميلة أكثر من أن نحصرها نحن.

وجوابه: أنه حصر له في النذارة باعتبار من لا يؤمن أي: إنما أنت منذر باعتبار من لا يؤمن، لأنه لاحظ له، ولا يتعلق به من جميع الصفات إلا النذارة، فتقوم الحجة عليه.

وكذلك قوله عليه السلام: (إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلى) الحديث، حصر نفسه عليه السلام في البشرية باعتبار الاطلاع على بواطن الخصوم، ولا صفة له عليه السلام باعتبار الاطلاع علي ضمائرهم إلا البشرية، وإلا فمقتضى هذه الصيغة سلب كل صفة عنه غير البشرية، وكذلك قوله تعالى: (إنما الله إله واحد) [النساء:171] أي باعتبار استحقاق العبادة، وقوله تعالى: (إنما الحياة الدنيا لعب ولهو) [الحديد:20] مع أن الدنيا مزرعة الآخرة، وفيها تنال الدرجات العلية، والمقامات السنية، والأحوال الرضية، والأعمال المرضية، وإنما حصرها في ذلك باعتبار من أثرها، أي لا صفة لها باعتبار من أثرها إلا ذلك، فتأمل هذه القواعد تجد نفعها في الكتاب والسنة نفعا كبيرا عظيما جداً.

السابعة: أن الأول قد يكون محصورا في الثاني وهو الأصل، والكثير كما تقدم في جميع المثل المتقدمة، وقد يكون الثاني منحصرا في الأول، كما ذكرته في لام التعريف عن الإمام فخر الدين، ومثلته فيما تقدم في أدوات الحصر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015