أمكن وجود الشيء بدونه لا يكون شرطا فيه، لكن إن اتفق وقوع هذه الطبقات، فيشترط استواؤها كلها في كون كل طائفة منها يستحيل تواطؤها على الكذب، كما يشترط في أصل عدد التواتر وإن لم تتعدد طبقاته.
الخامس: على قوله:
إن مخبرينا أخبروا أن مخبريهم كانوا موصوفين بشرائط التواتر، كذلك كل طائفة إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا الكلام لايفيد المقصود، بسبب أن الكلام في هذا المقام بسبب معرفة اللغة والنحو والتصريف، وهذه الأمور لم يكن مبدؤها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبر الناس أنى وضعت هذه لهذه، أو أخبر عن الواضع أنه وضع هذه الألفاظ لهذه المعاني، بل هذا أمر لم يتعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نفيا ولا إثباتا فيما علمت، بل نطق بلغة العرب من غير تعرض لحقيقة اللفظ من مجازه ولا تعيين مسمياته، وسلك في ذلك أسوة المتعلمين للغة، ويجتهد في معرفة مسمى اللفظ من غير نطقه من كتب اللغة، ويحمل لفظه -صلى الله عليه وسلم_ عليه عند عدم القرينة الصارفة للمجاز، فلا معنى للوقوف في سلسلة طبقات التواتر عند زمانه صلى الله عليه وسلم.
السادس: على قوله: "لو لم تكن هذه الألفاظ موضوعة لهذه المعاني، وقد وضعها واضع آخر لاشتهر ذلك" لا يفيده التواتر في نقل اللغات، فإن قوله: لو وضع لاشتهر، يفيد أنه ما وقع التغيير، وهل ذلك قطعا أو ظنا؟
لم يتعين اليقين في ذلك، فإن هذه المقدمة قد تكون يقينية أحيانا، وقد لا تكون بحسب خصوصيات المراد، وإذا تقرر أن الوضع الجديد ما وقع يلزم أن يكون الوضع الأول مستمرا، ولا يلزم من كونه مستمرا، ولم يتعين أن يكون متواترا، بل قد يكون متواترا، وقد يكون آحادا كحوشي اللغة الذي