الثالث: على قوله: إنهم اختلفوا في اشتقاق لفظ الله، ولفظ الصلاة، ومسمى لفظ الله، ومسمى صيغة الوجوب وغير ذلك، فإن هذه شبهة ساقطة بناء على قاعدة، وهي أن التواتر لا يدخل إلا في أمر حسي، أما النظريات، وجميع العقليات، فلا مدخل للتواتر فيها إجماعا، واتفق الناس على اشتراط ذلك، إذا تقرر هذا فنقول: حظ الحس من هذه الألفاظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- نطق بها، وهذا لم يختلف فيه اثنان من المسلمين، ولا من الكافرين، بل اتفقت الملل على أنه - صلى الله عليه وسلم-أتى بالقرآن، وأنه تحدى به، وإنما اختلفوا هل هو من عند الله تعالى أم لا؟ فالمسلمون على ذلك، والكفار يمنعونه، أما إنه أتى به فلا خلاف فيه فهذا حظ الحس؛ لأنه سمع منه بالحس، وأما كون اللفظ مشتقا من كذا، أو من كذا فهذا أمر نظري لا مدخل للتواتر فيه، وكذلك كون الأمر موضوعا للوجوب، إنما يدرك بدقائق النظر في تصاريف الاستعمالات لا مدخل للتواتر فيه، وإذا كان الخلاف في غير موطن التواتر لا يقدح في وجود التواتر، ولا في كونه مفيدا للعلم؛ لأنهم لو اختلفوا في متعلق التواتر دل ذلك على عدم حصول العلم للمختلفين، لكن اختلفوا في الاشتقاق والأمور النظرية، فلا علم فيها، ونحن نقول به، ولا نقول بالتواتر فيها؛ لانتفاء شرط دخوله فيها، وهو الحسي.
الرابع: قوله: من شرط التواتر استواء الطرفين، والواسطة قد يحصل التواتر بلا طرفين، ولا واسطة إذا كان المخبر لنا هو المباشر لذلك الأمر المحسوس، أو طرفان بلا واسطة، إذا نقل إلينا من نقل عن المباشر، وطرفان وواسطة، إذا نقل إلينا من نقل عمن نقل عن المباشر، فالمباشر والناقل إلينا طرفان، ومن بينهما واسطة، وقد تكثر الوسائط كنقل القرآن إلينا بيننا، وبين السامعين له من رسول الله صلى الله عليه وسلمن فتجيء ست وسائط في كل قرن واسطة، وليس كل تواتر له طرفان فضلا عن طرفين وواسطة، وما