وإذا قال الله تعالى: (إنك لا تحكم إلا بالصواب): فهاهنا التمييز بين الحسن والقبيح لا يحصل إلا بعد الفعل، والشيء الذي يجب أن يكون متقدمًا، ليس هو الذي يجب أن يكون متأخرًا.
وثالثها: لو جاز أن يقول له: (احكم؛ فإنك لا تحكم إلا بالصواب) لجاز أن يكلفه تصديق النبي، وتكذيب المتنبي، من غير دليل ألبتة، بل يكله فيه على رأيه، ولجاز ذلك في الإخبار؛ فيقول: (أخبر؛ فإنك لا تخبر إلا عن حق) ولجاز أن يصيب في مسائل الأصول من غير تعلم ألبتة، ولجاز أن يفوض إليه تبليغ أحكام الله تعالى من غير وحي نزل عليه، وكل ذلك باطل بالإجماع.
ورابعها: لو جاز ذلك في حق العالم، لجاز في حق العامي؛ وبالإجماع لا يجوز.
أما الذي يدل على عدم الوقوع: فأمران: الأول: لو كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - مأمورًا بأن يحكم على وفق إرادته من غير دليلٍ، لما كان منهيا عن اتباع هواه؛ لأنه لا معنى لاتباع الهوى إلا الحكم بكل ما يميل قلبه إليه؛ لكنه كان منهيًا عن اتباع الهوى؛ لقوله تعالى:} ولا تتبع الهوى {} وما ينطق عن الهوى {.
فإن قلت: لما قيل له: (احكم؛ فإنك لا تحكم إلا بالصواب) كان ذلك نصا من الله تعالى على حقية كل ما يميل قلبه إليه؛ فلا يكون ذلك اتباعًا للهوى).
قلت: فعلى هذا التقدير: صار اتباع الهوى في حقه غير ممكنٍ، ولو كان كذلك؛ فلم نهي عنه؟.
الثاني: لو قيل له: (احكم؛ فإنك لا تحكم إلا بالصواب) لما قيل له: (لم