أولها: أنه إما أن يجوز له الحكم على هذا الوجه في الحوادث الكثيرة، أو في الحادثة والحادثتين:
والأول: محال؛ لأنه يمتنع حصول الإصابة بالاتفاق في الأشياء الكثيرة؛ ولهذا لا يجوز أن يقال للأمي: (اكتب مصحفًا، فإنك لا تخط بيمينك إلا ما يطابق ترتيب القرآن) وللجاهل: (أخبر؛ فإنك لا تخبر إلا بالصدق) ولولا ما ذكرناه، لبطلت دلالة الفعل المحكم على علم فاعله، وبطلت دلالة أخبار الغيب على النبوة.
وأما الوجه الثاني؛ وهو أن يجوز ذلك في القليل، دون الكثير: فهو باطل؛ لأن كل من جوزه في القليل، جوزه في الكثير، ومن منع منه في الكثير، منع منه في القليل؛ فالقول بالفرق خرق للإجماع.
وثانيها: وهو أنه إنما يحسن القصد إلى الفعل، إذا علم، أو ظن كونه حسنا؛ فلابد وأن يتميز له الحسن من القبح قبل الإقدام على الفعل، فإذا لم تتقدم هذه الأمارة المميزة، كان التكليف باختيار الحسن دون القبيح، تكليفًا بما لا يطاق.
فإن قلت: (إنما يميز بين الحسن والقبيح) بأن يقال له: (قد علمنا بأنك لا تختار شيئًا إلا وهو حسن):
قلت: فهذا يقتضي أنه إنما يعلم حسنه بعد فعله له، وهو إذا فعله، زال التكليف عنه.
فالحاصل: أن التمييز بين الحسن والقبيح لابد وأن يكون متقدمًا على الاختيار؛ وإلا وقع التكليف بما لا يطاق.