قال إمام الحرمين في (البرهان): القائلون بأن الاستصحاب حجة، قالوا: إنه متأخر عن الأقيسة، وهو آخر المتمسكات، ولابد من تصويره.
فإن الحكم إذا ثبت بدليل، ولم يتبدل مورد الحكم، فليس هو من مواقع الاستصحاب؛ لاعتماد الحكم على ذلك الدليل.
وقد يقول من لا يحيط بالحقائق: لا يمتنع تقدير نسخ، فينفي الاستصحاب، فهذه مناقشة لفظية، فله أن يسميه استصحابًا، ولكنه ليس من هذا الفصل.
أما إذا ثبت حكم في صورة، ثم تغيرت، وحالت، ورام الناظر طرد الحكم الثابت في الحالة الثانية، فإن لم يكن لها تعلق بالحالة الأولى، فلا استصحاب، كاستصحاب صدقة البقر من صدقة الغنم، وإن تغيرت، وأثبت في الخلفة عليها، فعند ذلك نقول: فإنا قائلون: يستصحب الحكم الثابت في الصورة الأولى في الثانية، وهذا باطل -عندنا -لأجل التغاير.
وإن ثبتت إحداهما بصور، أو خلفه، فلا معنى لأجل ثبوت التغير في المورد، والمحل، كما قيل عند أبي حنيفة في زكاة الإبل، وقد اطردت فريضة الإبل على نصب معلومة، فينبغي أن يستصحبها وراء المائة والعشرين، حتى لا يوجبها إلا على ذلك القياس.
وقد عورضوا بأن فريضة الإبل إذا ثبتت وجب استصحابها، وذلك يمنع العود إلى الشاة، وهذا القائل ذهل عن الحقيقة، ولا معنى للاستصحاب من القبيلين؛ لأن الشاة أثبتت ابتداء اجتنابًا للتشقيص في إيجاب البعير.
أما من تيقن الطهارة، وشك في الحدث أوشك في الطلاق ففي (استصحاب غير أن قول الفقيه: استصحب عين الطهارة) مجاز؛ لأن اليقين لا يكون مع الشك.