وكذلك أشار سيف الدين إلى ذلك في (الإحكام)، وإلى الفرق بين مذهب العنبري والجاحظ.
(مسألة)
اختلفوا في تصويب المجتهدين
قوله: (إن لم يكن في الواقعة حكم معين لله - تعالى - فهذا قول من يقول: كل مجتهدٍ مصيب):
تقريره: أن الإجماع منعقد على أن ما ظهر على ألسنة المجتهدين هو حكم الله - تعالى - حتى حكى الغزالي في (المستصفى): أن المجتهد إذا غلب على ظنه ما هو خلاف الإجماع وجب عليه أن يعمل بذلك، حتى يطلع على الإجماع.
ونظير هذه المسألة المجتهدون في القبلة إذا أدى اجتهادهم إلى عشر جهات، كل واحد إلى جهة؛ فإن كل واحد منهم يجب عليه أن يصلى إلى ما غلب على ظنه من الجهات، وإن كان مخطئًا؛ فإن الكعبة من المحال أن تكون في عشر جهات، بل ولا في جهتين، ولو قال أحدهم لبقيتهم: يجوز لي أن أترك اجتهادي، وأتبع جهتك التي اجتهدت فيها أنت، لقال له الكل: بل يحرم عليك أن تتبعنا، وتترك ما أدي إليه اجتهادك.
فالكل من هؤلاء يجمع على أن كل واحد منهم يحرم عليه الرجوع عما أدى إليه اجتهاده، والرجوع إلى غيره.
كذلك العلماء في الأحكام: يفتي كل واحدٍ منهم الآخر بوجوب اتباعه، لما أدي إليه اجتهاده، وأنه يحرم عليه اتباع غيره، فإذا كان كل واحدٍ منهم يجب عليهم اتباع ما غلب على ظنه من الحكم، فهو مصيب باعتبار ما غلب على ظنه، وليس مخطئًا باعتبار عين ذلك الحكم.
إذًا التفريغ على أنه ليس في نفس الأمر حكم آخر، فانتفي عنه الخطأ مطلقًا، وثبت له الإصابة مطلقًا.