وثانيها: من دخل الكعبة، فله أن يستقبل أي جانب شاء؛ لأنه كيف فعل، فهو مستقبل شيئا من الكعبة.
وثالثها: أن الولي، إذا لم يجد من اللبن إلا ما يسد رمق أحد رضيعيه، ولو قسمه عليهما، أو منعهما، لماتا، ولو سقى أحدهما؛ فها هنا: هو مخير بين أن يسقي هذا، فيهلك ذاك، أو ذاك، فيهلك هذا، ولا سبيل إلا التخيير.
ورابعها: أن ثبوت الحكم في الفعلين المتنافيين-نفس إيجاب الضدين؛ وذلك يقتضي إيجاب فعل كل واحد منهما بدلا عن الآخر.
واحتج الخصم على فساد التخيير؛ بأن أمارة وجوب كل واحد من الفعلين اقتضت وجوبه على وجه لا يسوغ الإخلال به، والتخيير بينه وبين ضده يسوغ الإخلال به، فالقول بالتخيير مخالف لمقتضى الأمارتين معا.
والجواب: أما أمارة وجوب الفعل، فتقتضي وجوبه قطعا، وأما المنع من الإخلال به على كل حال: فموقوف على عدم الدلالة على قيام غيره مقامه، وإذا كان كذلك، لم يكن التخيير مخالفا لمقتضى الأمارتين.
فرع: هذا التعادل: إن وقع للإنسان في عمل نفسه، كان حكمه فيه التخيير، وإن وقع للمفتي، كان حكمه أن يخير المستفتي في العمل بأيهما شاء، كما يلزمه ذلك في أمر نفسه، وإن وقع للحاكم، وجب عليه التعيين؛ لأن الحاكم نصب لقطع الخصومات، فلو خير الخصمين، لم تنقطع خصومتهما؛ لأن كل واحد منهما يختار الذي هو أوفق له، وليس كذلك حال المفتى.
فإن قلت: (فهل للحاكم أن يقضي في الحكومة بحكم إحدى الأمارتين، إذا كان قد قضى فيها من قبل بالأمارة الأخرى):