قوله: (هذه الدلالة لا تطرد عند تعارض أمارتي الوجوب والحظر): قلنا: لا قائل بالفرق.

وأيضا: فالإباحة منافية للوجوب والحظر، فعندما تعادل أمارتي الوجوب والحظر: لو حصلت الإباحة، لكان ذلك قولا بتساقطهما، وإثباتا لحكم لم يدل عليه دليل أصلا.

قوله: (لم) يجوز أن يكون في التساقط حكمة خفية؟): قلنا: لأن المقصود من وضع الأمارة أن يتوسل بها إلى المدلول، فإذا كان هو في ذاته بحيث يمتنع التوسل به إلى الحكم، كان خاليا عن المقصود الأصلي منه، ولا معنى للعبث إلا ذلك، وهذا بخلاف وقوع التعارض في أفكارنا؛ لأن الرجحان لما كان حاصلا في نفس الأمر، لم يكن واضعه عابثا، بل غايته أنا لقصورنا، أو تقصيرنا، ما انتفعنا به.

أما إذا كان الرجحان مفقودا في نفس الأمر، كان الواضع عابثا.

وأما القسم الثاني: وهو تعادل الأمارتين في فعلين متنافيين، والحكم واحد، فهذا جائز، ومقتضاه التخيير، والدليل على جوازه وقوعه في صور:

إحداهما: قوله-عليه الصلاة والسلام- في زكاة الإبل: (في كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة) فمن ملك مائتين، فقد ملك أربع خمسينات، وخمس أربعينات، فإن أخرج الحقاق، فقد أدى الواجب؛ إذ عمل بقوله: (في كل خمسين حقة) وإن أخرج بنات اللبون، فقد عمل بقوله- عليه الصلاة والسلام-: (في كل أربعين بنت لبون) وليس أحد اللفظين أولى من الآخر؛ فيتخير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015