والأول محال؛ لأنه يقتضي كون الشيء الواحد في الوقت الواحد من الشخص الواحد محظورا مباحا؛ وهو محال.
والثاني أيضا: محال؛ لأنهما لما كانتا في نفسيهما؛ بحيث لا يمكن العمل بهما البتة، وكان وضعهما عبثا، والعبث غير جائز على الله تعالى.
وأما الثالث، وهو أن يعمل بإحداهما دون الأخرى: فإما أن يعمل بإحداهما على التعيين، أولا على التعيين:
والأول: باطل؛ لأنه ترجيح من غير مرجح؛ فيكون ذلك قولا في الدين بمجرد التشهي؛ وإنه غير جائز.
والثاني أيضا: باطل؛ لأنا إذا خيرناه بين الفعل والترك، فقد أبحنا له الفعل، فيكون هذا ترجيحا لأمارة الإباحة بعينها على أمارة الحظر، وذلك هو القسم الذي تقدم إبطاله؛ فثبت أن القول بتعادل الأمارتين في حكمين متنافيين، والفعل واحد يفضي إلى هذه الأقسام الباطلة؛ فوجب أن يكون باطلا.
فإن قيل: (لم لا يجوز العمل بإحدى الأمارتين على التعيين؛ إما لأنها أحوط، أو لأنها أخذ بالأصل؟!):
سلمنا ذلك؛ فلم لا يجوز أن يكون مقتضى التعادل هو التخيير؟.
قوله: (القول بالتخيير إباحة الفعل؛ فيكون ذلك ترجيحا لأمارة الإباحة):
قلنا: لا نسلم أن الأمر بالتخيير إباحة.
بيانه: أنه يجوز أن يقول الله تعالى: أنت مخير في الأخذ بأمارة الإباحة، وبأمارة الحظر، إلا أنك متى أخذت بأمارة الإباحة، فقد أبحت لك الفعل،