قال: وكذلك الاستجمار في الأحجار جعلت العرب أصلا فيه؛ لأن الضرورة العامة إنما توجد في حقهم؛ لأنهم في غالب أمرهم في الصحاري، فيعسر عليهم الماء.

ومن هذا الباب بعثة كل نبي بما هو موجود في بعض أمته، فغالب العرب الفصاحة، فبعث إليهم- عليه السلام- بمعجز من الكلام الفصيح، وجعل غير الفصيح من الأمة تبعا لهم.

وبعث عيسى- عليه السلام- بإبراء الأكمه، والأبرص، وإحياء الموتى؛ لأنه غلب في زمنه الطب.

وبعث موسى- عليه السلام- بقلب العصا ثعبانا؛ لغلبة السحر في زمانه، [و] غير أولئك تبع لهم.

الرابع: حكم ثابت بعلة في زمان النبي- عليه السلام- ثم زالت تلك العلة، [كالرمل]، شرع لإظهار الجلد للكفار؛ ولقولهم عن المؤمنين- لما قدموا (مكة) -: وهنتهم حمى يثرب، فأمر- عليه السلام- بالإسراع في الحركة؛ إظهارا للقوة، ثم بقى ذلك بعد ذهاب تلك العلة.

قلت: ونظيره ما حكى في سبب رفع اليدين في تكبيره الإحرام بسبب ما كانت المنافقون يعملون الأصنام تحت آباطهم.

وأن رمي الجمار كان بدؤه أن الكبش الذي فدى الله به إسحاق- عليه السلام- هرب من إبراهيم- عليه السلام- حين أراد ذبحه، فرجمه بالحجارة الصغار في ذلك الموضع، فبقى ذلك سنة بعده.

قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله: إن السبب في بقاء هذه الأحكام بعد ذهاب أسبابها، إنما هو اختلاف تلك الأسباب بأسباب [أخرى]، وهي أنا نذكر في زماننا بسبب هذه الأفعال أسبابها المتقدمة؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015