وثاني عشرها: أن جميع الحيوانات تتنفس، ولا شك أن كل واحد منها: إما أن يتنفس مع كون الآخر متنفسا، أو عقيبه بلحظة قليلة؛ فقد وجدت هذه الدورانات بدون العلية.
وثالث عشرها: أن الحكم، كما دار مع الوصف وجودا وعدما، فقد دار أيضا مع تعين الوصف، وخصوص المحل وخصوص وقوعه في الزمان المعين، والمكان المعين، وشيء من ذلك لا يصلح للعلية؛ لما ذكرتم أنها أمور عدمية؛ والعدم غير صالح للعلية.
ورابع عشرها: أن الحد دائر مع المحدود وجودا وعدما، والرائحة الفائحة في الخمر دائرة مع الحرمة وجودا وعدما، مع أنه لا علية هناك.
واعلم: أنا لو أردنا استقصاء القول في الدورانات المنفكة عن العلية، لطال الكلام، ولكن فيما ذكرنا كفاية.
وإنما قلنا: إن بعض الدورانات، لما انفكت عن العلية، وجب ألا يحصل ظن العلية في شيء منها، لأنه إذا حصل دوران ما منفكا عن العلية، فلو قدرنا أن دورانا آخر يستلزم العلية، لكان كونه مستلزما للعلية: إما أن يتوقف على انضمام شيء آخر إليه، أو لا يتوقف: فإن توقف، كان المستلزم للعلية هو المجموع الحاصل من الدوران، ومن ذلك الشيء، لا الدوران وحده، وكلامنا الآن في الدوران وحده.
وإن لم يتوقف، مع أن مسمى الدوران حاصل في الموضعين جميعا: لزم ترجح أحد طرفي الجائز على الآخر، لا لمرجح: وهو محال، هذا تمام تقرير هذا الدليل.