فيكون حده جامعا ليس مانعا؛ لاندراج حصول الشرائط، وانتفاء الموانع فيه، وليست أصولا، ووافقه على هذا التفسير سراج الدين، وصاحب ((المنتخب))، وتاج الدين غيَّرَ الحد فقال: أصل الشيء ما منه الشيء، فلا يَردُ عليه الشروط، وعدم الموانع؛ لأن الشروط ليس من شرطه، ولا من عدم مانعه، فهذا هو الباعث له على التغير في ظاهر الحال، ويرد عليه سؤالان:

أحدهما: أنَّ ((مِنْ)) لفظ مشترك بين ثمانية معانٍ، كما تقرر في كتب النحو: ابتداء الغاية وانتهاؤها وغير ذلك، والمشترك يمتنع وقوعه في الحدود لإجماله، والحدود مرادة للبيان.

وثانيهما: سلمنا أن الاشتراك ليس مانعا، لكن معانيها كلها لا تصح في هذا الموضع.

أما ابتداء الغاية، فيصير معنى الكلام: كل ما منه ابتداء الغاية فهو أصل، وليس كذلك، كقولك: سرت من ((مصر)) إلى ((مكة))، وليس ((مصر)) أصل السير في اللغة.

وأمَّا انتهاء الغاية كقولك: رأيت الهلال في دارى من خلال السَّحاب، فانتهاء رؤيتك إلى السحاب على ما قاله البعض.

وقال آخرون: بل ابتدأت الرؤية من السحاب، فتكون لابتداء الغاية لا لانتهائها، ومثله شممت المِسْكَ في دارى من السوق، وعلى الأول ليس السحاب أصل رؤيتك لغة، وأما التبعيض فلأن معناه أن المجرور بـ ((مِن)) كل، والمتعلق بالمجرور جزؤه، كقولك: قبضت من الدراهم عشرة فالعشرة بعض المال، والمال أكثر منه، ولا يصدق فيما هو أصل لغة أنه أكثر، فإن البرة ليست أعظم من السنبلة، وليست السنبلة جزءا منها بل السنبلة مؤلفة من أجزاء مخلوقة لله تعالى، إما من الماء والتراب أو غيرهما قدر البرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015