قوله: (الصحابة -رضوان الله عليهم- رووا هذه الأخبار بعد السنين والأعصار، فلا يكون اللفظ عندهم، بل المعنى).
قلنا: قد تقدم أن الله -تعالى- جعل من جملة خصائص هذه الأمة المحمدية أن سلفها كانوا يحفظون الكلام الطويل من السماع الواحد، ولا ينسونه مع تطاول الأعصار، حتى كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يسد أذنه إذا مشى في السوق؛ لأنه كان متى سمع شيئًا حفظه، وما يريد أن يعلق بنفسه ما لا يشتهيه، وكان جل الصحابة على ذلك، وبذلك صاروا بحار علوم، وسادات المجتهدين من غير درس، ولا تكرار، ولا مطالعة كتاب حتى قال الحسن البصري، وهو من سادات التابعين علمًا وعملًا: أدركت أقوامًا كانت نسبة أحدنا إليهم كنسبة البقلة إلى النخلة، وكان التابعون على نحو من ذلك، فقد أملى ربيعة على مالك أربعين حديثًا بأسانيدها مرة واحدة، فأعادها عليه مالك، وغلط في (واو (، فقال لربيعة أو قال على وجه الشك، فقال له ربيعة: (دعنا، ساء حفظ الناس اليوم (وأحاديثهم أعظم من ذلك لا يسمح هذا الموضع ذكرها، فلا عجب أن يرووا بعد السنين أن التشبيه بين اللفظ واللفظ أقوى من التشبيه بين اللفظ والمعنى، ويرد عليه أن (المقالة (أصلها أن تكون موضع القول مثل: مسبعة ومذابة مكان السباع والذئاب، يقال ذلك للمكان الذي يكثر فيه ذلك.
وأصلها مقولة، ومكان القول إنما هو المعنى، وإلا لكان اللفظ مكانًا لنفسه، وهو محال.
فيكون التشبيه على هذا أن السامع عند التحمل انطبع في ذهنه من الكلام صورة، فأمر أن يحصل في ذهن السامع منه صورة ذهنية مساوية للصورة التي حصلت له في ذهنه عند التحمل، فيكون المراد بالحديث التشبيه في المعنى