إما أن يكون ترك الغسل من الإناء، وهو متعذر، فما ترك الخبر إلا لتعذر امتثاله قطعًا، أو لا ينكر الخصم، بل الغسل من إناء آخر.
وذلك ليس قياسًا جليًا يشهد له أصل حتى يكون ترك الخبر لأجله، ويصير أيضًا السائل قد التزم أن ابن عباس قد ترك الخبر مع إمكان تحصيل مقتضاه من إناء آخر غير المهراس، فعلى هذا لا يكون ترك الخبر، وهو متناقض، وإنما ترك الخبر باعتبار خصوص المهراس لا باعتبار أصل غسل اليد من إناء في الجملة.
وهذا هو المحسن لإيراد السائل هذا السؤال، وإلا فكيف يتجه أن يقول: إنه ترك الخبر، وهو يقول: إنه يغسل اليدين من الإناء الآخر؟ بل إنما مقصوده في ترك الخبر باعتبار خصوص المهراس، فألزمه الإمام أن الترك حينئذ إنما كان لتركه مع الغسل من إناء آخر، وهذا ليس لنا أصل نقيس عليه قياسًا، يترك هذا الخبر لأجله.
واعلم أن هذا الموضع من المواضع النكرة التوجيه في (المحصول)، وقد بسطت لك القول فيه كذلك.
(فائدة)
المهراس: إناء تهرس فيه الحبوب حتى يزول قشرها ونحو ذلك، ثم إنه عمل للوضوء، يملأ ماء، ويجتمع الناس حوله فيتوضئون، فلذلك قال: ما يصنع بمهراسنا؟ أي كيف تستطيع أن تقلبه وهو كبير على ذلك.
قوله: (التمسك بالخبر لابد فيه من ثلاث مقدمات: سنده، ودلالته، ووجوب العمل به، والأخيران يقينان):
تقريره: أن الدلالة هي الفهم من اللفظ، أو إفهام اللفظ، وأيما كان، فنحن نقطع في اللفظ الذي يدل بظهوره أن له ظهورًا، وهذا هو مراده باليقين؛ لأن دلالته يقينية، وأن اللفظ يفيد القطع.