ومن المعلوم أن العلماء الذين تعودوا تلقف الكلام، ومارسوه، وتمرنوا عليه، لو سمعوا كلامًا قليلًا مرة واحدة، فأرادوا إعادته في تلك الساعة بتلك الألفاظ من غير تقديم، ولا تأخير، لعجزوا عنه، فكيف الكلام الطويل بعد المدة المتطاولة، من غير تكرار ولا كتابة.

ومن أنصف قطع بأن هذه الأخبار التي رووها ليس شيء من ألفاظها لفظ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ثم من يعيد الكلام بعد هذه المدة لا يمكنه أن يعيد معناه بتمامه؛ فإن الإنسان مظنة النسيان؛ بل لا يعيد إلا بعضه.

وإذا كان كذلك، لزم القطع بسقوط الحجة عن هذه الألفاظ؛ لا سيما وقد جربناهم، فرأيناهم يذكرون الكلام الواحد، في الواقعة الواحدة، بروايات كثيرةٍ، مع زيادات ونقصاناتٍ، وأحسن الأحوال في ذلك: أن نحمل ما قلناه من عدم حفظ الألفاظ، وتغيير التقديم والتأخير؛ بسبب طول المدة، وكل ذلك يوجب القدح في هذه الأخبار.

والجواب: اعلم أن اعتماد أصحابنا في هذا الباب على حجةٍ واحدةٍ؛ وهي أن آيات القرآن دالة على سلامة أحوال الصحابة، وبراءتهم من المطاعن، وإذا كان كذلك، وجب علينا أن نحسن الظن بهم إلى أن يقوم دليل قاطع على الطعن فيهم.

وأما هذه المطاعن التي ذكرتموها، فمروية بالآحاد، فإن فسدت رواية الآحاد، فسدت هذه المطاعن، وإن صحت، فسدت هذه المطاعن أيضًا، فعلى كل التقديرات هذه المطاعن مدفوعة؛ فيبقى الأصل الذي ذكرناه سليمًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015