وأما القسم الثاني: وهو أنهم كذبوا، مع أنهم لم يعلموا كونهم كاذبين، فذاك لا يمكن، إلا إذا اشتبه عليهم الشيء بغيره؛ والاشتباه في الضروريات باطل؛ وشرط خبر التواتر أن يكون واقعا عما علم وجوده بالضرورة؛ وهذا إذا أخبر المخبرون عن المشاهدة.

وأما عن توسط بين من أخبرنا، وبين من شاهد ذلك- واسطة واحدة، أو وسائط- فإنه لا يحصل العلم بخبرهم، إلا إذا علمنا كون الوسائط متصفين بالصفات المعتبرة في أهل التواتر؛ وذلك إنما يعلم بطريقين:

الأول: أن يكون أهل التواتر الذين رأيناهم أخبروا أن أولئك الذين مضوا كانوا مستجمعين للشرائط المعتبرة في أهل التواتر.

والثاني: أن كل ما ظهر بعد خفاء، وقوي بعد ضعف، فلابد، وأن يشتهر فيما بين الناس حدوثه، ووقت حدوثه؛ فإن مقالة الجهمية والكرامية لما حدثت بعد أن لم تكن، لا جرم اشتهر فيما بين الناس وقت حدوثها؛ فلما لم يظهر شيء من ذلك، علمنا أن الأمر كان كذلك في كل الأزمنة.

هذا تمام الاستدلال، والاعتراض عليه أن يقال لأبي الحسين: إما أن يكون غرضك من هذا الاستدلال ظنا قويا بكون الخبر صدقا، فذلك مسلم، أو اليقين، فلا نسلم أن ما ذكرته يفيد اليقين؛ لأن التقسيم المفضي إلى اليقين يجب أن يكون دائرا بين النفي والإثبات، ثم نبين فساد كل قسم سوى المطلوب بدليل قاطع، وهذا الذي ذكره أبو الحسين ليس كذلك.

فلنبين هذه الأشياء؛ فنقول: لم لا يجوز أن يقال: كذبوا، لا لغرض؟

قوله: (الفعل بدون المرجح محال):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015