قلنا: لا نسلم، وإنما يلزم ذلك أن لو كان اللفظ نفس مدلوله، فيلزم من وجوده وجوده، أو يكون غيره، لكن دلالته عليه قطعية، فلا ينفك المدلول عن وجود الدليل، أما إذا كان مدلوله الأمر الخارج الذي هو وقوع الحدوث للعالم، وكانت الدلالة ظنية، فيجوز أن يوجد الدليل حينئذ بدون مدلوله.

وقوله: "لا يكون الكذب خبرا": الأحسن تغيير العبارة، فنقول: لا يكون الخبر كذبا؛ لأن الكذب إذا تعذر لملازمة الدليل المدلول لا يتصف الخبر أبدا إلا بالصدق، فلا يكون الخبر كذبا؛ وأما الكذب في نفسه يكون متعذرا مطلقا فلا حاجة إلى قولنا: لا يكون الكذب خبرا؛ لان ذلك يوهم أنه قد يكون غير خبر، والمتعدد في نفسه على هذا التقدير لا يوجد مع الخبر، ولا مع غيره.

قوله: "من لا يعتقد أن زيدا في الدار يمكنه أن يقول: زيد في الدار":

قلنا: هذا لا يتجه مع قولكم: "إن مدلول اللفظ هو الحكم الذهني": لأن هذا القائل لم يحكم في ذهنه بأن زيدا في الدار ألبتة، بل قال ذلك بلسانه، وهو يعتقد بقلبه خلافه، فيفيدكم هذا أن اللفظ غير الاعتقاد، ومقصودكم أن الحكم الذي هو الخبر النفسي أحد أنواع الكلام غير الاعتقاد، ومقصودكم أن الحكم الذي هو الخبر النفسي أحد أنواع الكلام غير الاعتقاد، وهذا لا يفيده، بل إذا قصد تحقيق الكلام النفسي بهذا الطريق، فيؤخذ ما تقدم أول الكتاب من حكم الذهن بأمر على أمر إما أن يكون جازما، أو لا يكون إلى آخر التقسيم المتقدم، فيظهر أن الحكم الذي هو الإسناد أعم من العلم والظن والجهل، وجميع تلك الأقسام؛ لأنه مورد التقسيم فيها، ويؤخذ أيضا من قولنا: لو كان الواحد نصف العشرة لكانت العشرة اثنين، فقد أسندنا نصف العشرة للواحد، والاثنين للعشرة، ونحن لا نعتقده، وكذلك في براهين الخلف، وهي إثبات الدعوى بإقامة الدليل على إبطال نقيضها، كقولنا: العالم حادث؛ لأنه لو كان قديما للزم كذا وكذا، فقد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015