وإذا ثبت هذا، فنقول: إن كان المراد من الخبر هو الحكم الذهني، فلا شك أن تصوره في الجملة بديهي، مركوز في فطرة العقل، وإن كان المراد منه اللفظة الدالة على هذه الماهية، فالإشكال غير وارد أيضا؛ لأن مطلق اللفظ الدال على المعنى البديهي التصور، يكون أيضا بديهي التصور.
المسألة الثالثة
قيل: لابد في الخبر من الإرادة؛ لأن هذه الصيغة قد تجيء ولا تكون خبرا: إما لصدورها عن الساهي والحاكي، أو لأن المراد منها الأمر مجازا؛ كما في قوله: {والجروح قصاص} [المائدة: 45] وإذا كانت الصيغة صالحة للدلالة على الخبرية، وعلى غيرها، لم ينصرف إلى أحد الأمرين، دون الآخر، إلا لمرجح، وهو الإرادة، أو الداعي.
والكلام في هذا الأصل قد تقدم في أول "باب الأمر".
وأيضا: فلا معنى لكون الصيغة خبرا، إلا أن المتلفظ تلفظ بها، وكان مقصوده تعريف الغير ثبوت المخبر به للمخبر عنه، أو سلبه عنه.
وزعم أبو علي وأبو هاشم أن الصيغة- حال كونها خبرا- صفة معللة بتلك الإرادة، وإبطاله أيضا قد مضى في أول باب الأمر.
المسألة الثانية
"في حد الخبر"
قال القرافي: قوله: "يحتمل التصديق والتكذيب":
تقريره: أن الفرق بين الكذب والصدق، والتكذيب والتصديق أن الأولين يرجعان إلى نسبتين وإضافتين في نفس الأمر، وهما المطابقة في الصدق، وعدمها في الكذب على نوع من المخالفة للواقع، والمخالفة والمطابقة نسبتان