وأما المعنى: فلأن (الوسط) حقيقة في البعد عن الطرفين، فالشيء الذي يكون بعيدًا عن طرفي الإفراط والتفريط، اللذين هما رديان، كان متوسطًا، فكان فضيلةً، ولهذا سمى الفاضل في كل شيءٍ وسطًا.
قوله: (عدالتهم من فعلهم، لا من فعل الله تعالى):
قلنا: هذا ممنوع على مذهبنا.
قوله: (لم قلت: إن إخبار الله - تعالى - عن عدالتهم يقتضي اجتنابهم عن الصغائر):
قلنا: من الناس من قال: لا صغيرة على الإطلاق، بل كل ذنب، فهو صغير، بالنسبة إلى ما فوقه، كبير بالنسبة إلى ما تحته؛ فسقط عنه هذا السؤال.
وأما من اعتراف بذلك، فجوابه: أن الله - تعالى - عالم بالباطن والظاهر، فلا يجوز أن يحكم بعدالة أحد، وصحة شهادته، إلا والمخبر عنه مطابق للخبر، فلما أطلق الله تعالى القول بعدالتهم، وجب أن يكونوا عدولا في كل شيء؛ بخلاف شهود الحاكم؛ حيث تجوز شهادتهم، وإن جاز عليهم الصغائر؛ لأنه لا سبيل للحاكم إلى معرفة الباطن،؛ فلا جرم اكتفى بالظاهر.
قوله: (الغرض من هذه العدالة أداء الشهادة في الآخرة وذلك يوجب عدالتهم في الآخرة، لا في الدنيا):
قلنا: لو كان المراد صيرورتهم عدولا في الآخرة، لقال: (سنجعلكم أمة وسطًا)، ولأن جميع الأمم عدول في الآخرة، فلا يبقي في الآية تخصيص لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بهذه الفضيلة.
قوله: (المخاطب بهذا الخطاب: هم الذين كانوا موجودين عند نزول هذه الآية):