للعموم، لكن معنا في الآية ما يقتضي ذلك، وهو قوله تعالى:} تبين له الهدى {[النساء: 115] بلفظ الفعل الماضي، وهذا الماضي لا يكون معناه الاستقبال كقولك: (إن جاءني زيد أكرمته) تقديره: (إن يأتني أكرمه)، فلفظه ماضي، ومعناه مستقبل، وهاهنا ليس كذلك بسبب أن تبين الهدى هاهنا ليس مشروطا، بل خارج عنهما، كما تقول: (من يدخل داري بعد أن تقدم مني الإعلام أمس فله درهم)، فكأنك أوجبت الربط، واستحقاق الدرهم موصوفًا بأن ذلك الربط وقع بعد وقوع أمر آخر في الوجود، وكذلك هاهنا.
وإذا كان لفظ (تبين) ماضيًا لفظًا ومعنى، وجب ألا يكون الألف واللام فيه للعموم؛ فإن جميع أفراد الهدى وأدلة الفروع لا يلزم أن تكون كلها [قد] وقعت ودخلت الوجود قبل نزول هذه الآية، بل العموم غير متناهٍ، وغير المتناهي لا يقضي عليه بالدخول في الزمن الماضي، إذا بطل العموم تعين العهد، وإن الهدى هو المعجزة الدالة على صدق الرسول عليه السلام، والأدلة الدالة على الوحدانية وغيرها من قواعد الديانات.
قوله: ((الغير) و (السبيل) للعموم لصحة الاستثناء):
قلنا: قد تقدم في (باب الاستثناء) أنه أربعة أقسام:
ما لولاه لعلم دخوله، وما لولاه لظن دخوله، وما لولاه لجاز دخوله، وما لولاه لامتنع دخوله، فلعله هاهنا ما لولاه لجاز دخوله، فلا يبقي فيه حجة.
قوله: (لو لم يحمل على العموم بقيت الآية مجملة):
قلنا: لا نسلم، بل ذكر وصف الإيمان ينفي الإجمال، ويحمل على ما صاروا به مؤمنين.