وثالثها: أن يروى أحدهما رجل متقدم الصحبة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويروى الآخر رجل متأخر الصحبة، وانقطعت صحبة الأول للرسول، عليه السلام، عند ابتداء الآخر بصحبته؛ فهذا يقتضي أن يكون خبر الأول متقدمًا، أما لو دامت صحبة المتقدم مع الرسول، عليه الصلاة والسلام، لم يصح هذا الاستدلال.
ويتفرع على هذا الأصل مسائل:
مسألة: قال القاضي عبد الجبار: الصحابي إذا قال في أحد الخبرين المتواترين: (إنه كان قبل الآخر) قبل ذلك، وإن لم يقل قوله في نسخ المعلوم؛ كما تقبل شهادة الشاهدين في الإحصان، الذي يترتب عليه الرجم، وإن لم يقبل في إثبات الرجم، وكما يقبل قول القابلة في الولد: إنه من إحدى المرأتين، وإن كان يترتب على ذلك ثبوت نسب الولد من صاحب الفراش، مع أن شهادة المرأة لا تقبل في ثبوت النسب.
قال أبو الحسين، رحمه الله: هذا يقتضي الجواز العقلي، في قبول خبر الواحد في تاريخ الناسخ، ولا يقتضي وقوعه إلا إذا تبين أنه يلزم من ثبوت أحد الحكمين ثبوت الآخر.
مسألة: إذا قال الصحابي: (كان هذا الحكم، ثم نسخ) كقولهم: (إن خبر: (الماء من الماء) نسخ بخبر التقاء الختانين) لم يكن ذلك حجةً؛ لأنه يجوز أن يكون قاله اجتهادًا؛ فلا يلزمنا.
وعن الكرخي: أن الراوي إذا عين الناسخ؛ فقال: (هذا نسخ هذا)، جاز أن يكون قاله؛ اجتهادًا؛ فلا يجب الرجوع إليه.