قوله: "نسخ القياس للسنة باطل بالإجماع".
قلنا: كيف يتصور الإجماع مع أن العلماء اختلفوا في تقديم القياس على خبر الواحد، فعلى القول بتقديمه لا يبعد أن يتصور النسخ بأن يستقر التعبد بخبر واحد، ثم ينص الشرع في زمان النبوة على حكم عليه يقتضي ضد مقتضى الخبر، فيبطل مقتضى الخبر.
(تنبيه)
قال سيف الدين: منع الحنابلة، والقاضي عبد الجبار في بعض أقواله بنسخ حكم القياس، بناء على أن القياس إذا كان مستنبطًا من أصل، فالقياس باق ببقاء الأصل، وجوزه أبو الحسين البصري، وفصل بين القياس في زمانه عليه السلام بأن ينص عليه السلام على أصله كحديث منع بيع البر متفاضلًا، ويأمر بالقياس عليه، فإذا قضى عليه السلام بتحريم بيع الأرز متفاضلًا بناء على القياس، جاز نسخه بالنص، وبالقياس بأن ينص على إباحة بعض المأكولات، ويتعبدنا بالقياس عليه بأمارة هي أقوى من أمارة التحريم، وإن كان القياس موجودًا بعده عليه السلام فلا نسخ إلا أن يطلع المجتهد بعد القياس على نص، أو إجماع متقدم، أو قياس أرجح من قياسه، فيرتفع حكم قياسه الأول، وهذا لا يسمى نسخًا.
قال أبو الحسين: وهذا كله إنما يتم إذا قلنا: كل مجتهد مصيب؛ لأنه تعبده الله تعالى بالقياس الأول، فرفعه لا يكون متحققًا.
قلت: قول أبي الحسين هذا لا يتم؛ لأنا وإن قلنا: ليس كل مجتهد مصيبًا، فلا خلاف أنه كُلف بما غلب على ظنه كالقبلة إذا لم يصبها؛ فإنه كُلف بما أدى إليه اجتهاده، وقد تقدم بسطه في أن الأحكام الشرعية كلها معلومة أول الكتاب.