وثانيها: قوله تعالى: {فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم} [البقرة: 187] وهو نسخ لتحريم المباشرة، وليس التحريم في القرآن.
ثالثها: نسخ صوم يوم عاشوراء بصوم رمضان، وكان صوم عاشوراء ثابتًا بالسنة.
ورابعها: صلاة الخوف وردت في القرآن ناسخة لما ثبت بالسنة من جواز تاخيرها إلى إنجلاء القتال، حتى قال، عليه الصلاة والسلام، يوم الخندق: (حشا الله قبورهم نارًا) لحبسهم عن الصلاة.
وخامسها: قوله تعالى: {فلا ترجعوهن إلى الكفار} [الممتحنة: 10] نسخ لما قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والصلح.
واعلم أن السؤالين المذكورين واردان في الكل، ومن الجهال من قدح في هذين السؤالين، وقال: لا حاجة بنا إلى تقدير سنة خافية مندرسة، ولا ضرورة؛ فلم نقدرهما؟
وهذا جهل عظيم؛ لأن المستدل لا بد له من تصحيح مقدماته بالدلالة، فإذا عجز عنها، لم يتم دليله.
واحتج الشافعي رضي الله عنه، بقوله تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: 44] وهذا يدل على ان كلامه بيان للقرآن، والناسخ بيان للمنسوخ، فلو كان القرآن ناسخًا للسنة، لكان القرآن بيانًا للسنة، فيلزم كون كل واحد منهما بيانًا للآخر.
والجواب: ليس في قوله تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم} دليل على انه لا يتكلم إلا بالبيان، كما أنك إذا قلت: "إذا دخلت الدار لا أسلم على زيد" ليس فيه أنك لا تفعل فعلًا آخر.