المسألة السادسة
قال الرازي: المطلوب بالنهي عندنا فعل ضد المنهي عنه، وعند أبي هاشم: نفس ألا يفعل المنهي عنه:
لنا: ان النهي تكليف، والتكليف إنما يرد بما يقدر عليه المكلف، والعدم الأصلي يمتنع أن يكون مقدورا للمكلف؛ لأن القدرة لابد لها من تأثير، والعدم نفي محض؛ فيمتنع إسناده إلى القدرة.
وبتقدير أن يكون العدم أثرا؛ يمكن إسناده إلى القدرة، لكن العدم الأصلي لا يمكن إسناده إلى القدرة؛ لأن الحاصل لا يمكن تحصيله ثانيا.
وإذا ثبت أن متعلق التكليف ليس هو العدم، ثبت أنه أمر وجودي ينافي المنهي عنه، وهو الضد.
احتج المخالف: بأن من دعاه الداعي إلى الزنا، فلم يفعله، فالعقلاء يمدحونه على أنه لم يزن، من غير أن يخطر ببالهم فعل ضد الزنا؛ فعلمنا أن هذا العدم يصلح أن يكون متعلق التكليف.
والجواب: أنهم لا يمدحونه على شيء لا يكون في وسعه، والعدم الأصلي يمتنع أن يكون في وسعه؛ على ما تقدم؛ بل إنما يمدحونه على امتناعه من ذلك الفعل، وذلك الامتناع أمر وجودي؛ لا محالة، وهو فعل ضد الزنا.
فإن قلت: إنه كما يمكنه فعل الزنا، فذلك يمكنه أن يترك ذلك الفعل على عدمه الأصلي، وألا يغيره؛ فعدم التغيير أمر مقدور له؛ فيتناوله التكليف.