المسألة الثانية
في أن الأمر بالشيء نهي عن ضده
قال الرازي: اعلم: أنا لا نريد بهذا أن صيغة الأمر هي صيغة النهي؛ بل المراد:
أن الامر بالشيء دال على المنع من نقيضه، بطريق الالتزام، وقال جمهور المعتزلة، وكثير من أصحابنا: إنه ليس كذلك.
لنا: أن ما دل على وجوب الشيء دل على وجوب ما هو من ضروراته، إذا كان مقدورًا للمكلَّف؛ على ما تقدم بيانه في المسألة الأولى، والطلب الجازم من ضروراته المنع من الإخلال به، فاللفظ دال على الطلب الجازم، وجب أن يكون دالًا على المنع من الإخلال به؛ بطريق الالتزام.
ويمكن أن يعبر عنه بعبارة أخرى؛ فيقال: إما أن يمكن أن يوجد مع الطلب الجازم - الإذن بالإخلال، أو لا يمكن.
فإن كان الأول: كان جازمًا بطلب الفعل، ويكون قد أذن في الترك، وذلك متناقض.
وإن كان الثاني، فحال وجود هذا الطلب، كان الإذن في الترك ممتنعًا، ولا معنى لقولنا: "الامر بالشيء نهي عن ضده" إلا هذا.
فإن قيل: لا نسلم أن الطلب الجازم من ضروراته المنع من الإخلال؛ وبيانه من وجهين:
الأول: أن الأمر بالمحال جائز؛ فلا استبعاد في أن يأمر جزمًا بالوجود، وبالعدم معًا.