أما على القول بأنه موضوع للإباحة، أو التحريم فلا يتأتى هذا الحد؛ لعدم الطاعة بالفعل في المحرم، وعدمها مطلقا في المباح.

قوله: (المزمور به يمتنع تعريفهما إلا بالأمر، فلو عرفا الأمر بهما لزم الدور)

قلنا: قد تقدم أن الحد: هو شرح ما دل اللفظ الأول عليه بطريق الإجمال؛ فإنا إذا قلنا في حد الإنسان: هو الحيوان الناطق يجب أن يكون السامع عالما بحقيقة الحيوان والناطق، وحينئذ يكون عالما بحقيقة الإنسان قطعا، فلم يبق التعريف إلا في بيان نسبة اللفظ لمسماه، كأنه سمع لفظ الإنسان فعلم أن له مسمى ما، ولم يعلم تفصيله، فبسطنا ذلك الإجمال، وقلنا له: هو الحيوان الناطق، ولو كان جاهلا بالحيوان، أو بالناطق لبطل حدنا لوقوع المجهول فيه، وكذلك جميع الحدود، فإذا تقرر أن الحدود كلها إنما توضع لبيان نسب الألفاظ، فجاز أن يكون السامع يعلم لفظ المأمور، ولفظ المأمور به لأي شيء هما موضوعان، ولا يعلم لفظ الأمر لأي شيء هو موضوع فيسأل عنه، فبسطنا له مسماه بهذا الحد، وعلى هذا لاتقدير يمنع أنه يمتنع تعريفهما إلا بالأمر، ويمنع لزوم الدور، وإنما تخيل لزوم الدور من وجهة أنهما مشتقان، والمشتق لا يعرف إلا بعد معرفة المشتق منه، وهو غير لازم، لإمكان أن يكون السامع لا يعلم حقيقة الاشتقاق ألبتة، أو يعلمه ولا يعلم أن هذه الصيغ من قبيل المشتقات، بل يقول: هي من أسماء الأجناس، ومتى فرض عارفا بجميع ذلك، وأنهما مشتقان من الأمر منعنا أن مثل هذا يحتاج للحد، بل هذا عالم مطلق، والحد إنما وضع لمن يجهل، فنحن بين أمرين حينئذ، إما زن نمنع الدور، أو نمنع جواز التحديد لمثل هذا السامع. وبهذا نجيب عن الطاعة بأن يكون السامع يعلم مدلول لفظ الطاعة، ولا يعلم مدلول لفظ الأمر، وآخر يعرف مدلول لفظ الزمر ولا يعلم مدلول لفظ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015