وهذا الأصل أيضًا، هو وجه آخر من وجوه رعاية مقصود الشارع في حفظ المصالح، ودرء المفاسد.
وهذه النقطة الأخيرة، هي ما يعنيني الآن. أما المباحث الأخرى، المتعلقة بسد الذرائع، فليس من الضروري أن أقحمها في هذا السياق. وحسبنا فيها ما هو مكتوب من قبل.
فقد كتب الإمام ابن القيم فصلا مهمًّا، أظهر فيه المنزلة الكبيرة لمبدأ سد الذرائع في الدين. وانتهى فيه إلى أن سد الذرائع هو أحد أرباع التكليف1، ثم بنى عليه بحثًا مطولًا جدا في تحريم الحيل، باعتباره سدا للذريعة أيضًا.
وقيل ابن القيم، أفرد شيخه الإمام ابن تيمية هذين الموضوعين بمؤلف خاص لا أدري إن كان محفوظًا أو ضائعًا، فقد قال: "وقد بسطنا الكلام على قاعدة إبطال الحيل وسد الذرائع، في كتاب كبير مفرد، وقررنا فيه مذهب أهل المدينة بالكتاب والسنة وإجماع السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار"2.
كما أن الموضوع تناوله بالبحث عدد من الكتاب الأصوليين اليوم، وأكتفي بذكر أوسع ما رأيته من ذلك، وهو بحث الأستاذ محمد هشام برهاني: "سد الذرائع في الشريعة الإسلامية".
وقاعدة سد الذرائع تقوم مباشرة على المقاصد والمصالح، فهي تقوم على أساس أن الشارع ما شرع أحكامه إلا لتحقيق مقاصدها، من جلب المصالح ودرء المفاسد. فإذا أصبحت أحكامه تستعمل ذريعة لغير ما شرعت له، ويتوسل بها إلى خلاف مقاصدها الحقيقية، فإن الشرع لا يقر إفساد أحكامه وتعطيل مقاصده، ولا يجوز لأهل الشريعة أن يقفوا مكتوفي الأيدي، أمام هذا التحريف للأحكام عن مقاصدها، بدعوى عدم مخالفة ظواهرها ورسومها.