الرسوم والألفاظ، وضيعت المعاني والأحكام، وروعيت المظاهر والأشكال، وأهملت المقاصد والجواهر، وطغت الجزئيات وتنوسيت الكليات. وأميتت سنن وقدمت مبتدعات.

فهذه قضية كبيرة أمام علماء الإسلام ومفكريه ودعاته، قضية إعادة ترتيب الأولويات، وإعادة بناء منظومة الموازين والقيم ووضع كل في نصابه.

وأما فيما يخص الأمر الثاني الذي دعونا إليه ورجونا الاهتمام به، وهو دراسة مقاصد الشريعة والعمل على وضع قواعد أو ضوابط لها. فإن هذا الكتاب من الكتب الرائدة في هذا المجال وقد قطع -فيما نرى- شوطًا أساسيًا اقتحم فيه عقبات وصعابًا مهيبة خطرة. ونحسب أنه قد حالفه الكثير من التوفيق والنجاح. فهو يقدم دراسة شاملة لنظرية المقاصد في مختلف جوانبها. كما يقدم دراسة دقيقة عن الفكر المقاصدي عند شيخ المقاصديين أبي إسحاق الشاطبي، إضافة إلى دراسة هامة عن الشاطبي نفسه. وهي دراسة جاءت بالكثير من الجديد المفيد عن حياة هذا الإمام وفكره ومنهاجه.

أما القواعد والضوابط التي تنتظم مقاصد الشريعة وتضبطها فإن المؤلف قد قام بعمل في غاية الأهمية والإفادة. فهو قد نخل كتابي "الموافقات" و"الاعتصام" للشاطبي، واستخرج منهما ثروة نفيسة من "قواعد المقاصد" كما أبرز -من جهة أخرى- أهم الطرق التي يتوصل بها إلى معرفة مقاصد الشارع، وأهمها على الإطلاق: الاستقراء، الذي كان ديدن الشاطبي وسمته المنهجية البارزة1.

كما خطا هذا البحث خطوة هامة في إطار الاستفادة من مقاصد الشريعة، وفي ضبط وجوه هذه الاستفادة منها، وذلك في الفصل المخصص للمقاصد والاجتهاد. وهذه -كما ذكر المؤلف- هي أهم ثمرة ترجى من كل اهتمام بالمقاصد ومن كل دراسة لها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015