فلا بد من تحكيمه والبناء عليه. وليس تحكيم القياس بأولى من تحكيم هذا النوع من المصالح. وقد تقدم عن إمام الحرمين أن حفظ المصالح الضرورية مقدم حتى على القياس الجلي. والاستحسان إنما هو تقديم لرعاية المصلحة على القياس. يقول الشاطبي: "وكذلك أصل الاستحسان على رأي مالك ينبني على هذا الأصل. لأن معناه يرجع إلى تقديم الاستدلال المرسل على القياس"1. ثم أكد في كتاب الاجتهاد أن الاستحسان المالكي: "مقتضاه الرجوع إلى تقديم الاستدلال المرسل على القياس"2 وليس في هذا اعتماد على مجرد الرأي والاستصلاح الشخصي. بل هو عمل بالشرع ومقاصده العامة: "فإن من استحسن لم يرجع إلى مجرد ذوقه وتشهيه، وإنما رجع إلى ما علم من قصد الشارع في الجملة، في أمثال تلك الأشياء المفروضة، كالمسائل التي يقتضي القياس فيها أمرًا، إلا أن ذلك الأمر يؤدي إلى فوت مصلحة من جهة أخرى، أو جلب مفسدة كذلك"3.
فالمصلحة إذا ثبتت، وعلمت ملاءمتها لمقاصد الشارع، لم يبق معنى لتقييدها بعدم مخالفة القياس، كما ذهب الدكتور البوطي4. لأن مثل هذه المصلحة أصل بنفسه، ومقصود لذاته. فكيف يخضع للأقيسة الجزئية الظنية، وهي وسيلة لا مقصود؟!
وأكثر من هذا، فإن اعتماد المصالح الحقيقية المحترمة شرعًا، إنما هو قياس كلي. والكلي مقدم على الجزئي إذا تعارضا ولم يستقم الجمع بينهما. وهذا القياس الكلي، أو لنقل: القياس المصلحي، هو الذي ذكره ابن رشد الحفيد باسم