فلم يبق إذن، إلا بعض أحكامها التفصيلية، مما يعسر تعليله ويتعذرالقياس عليه، كهيئات الصلاة. وأعداد ركعاتها، وكتحديد شهر الصوم ووقته1.
ولنعد إلى التقسيم الخماسي للعلل والمقاصد الشرعية، فقد سبق التنبيه -واعتمادا على كلام الإمام نفسه- على أن القسمين الثالث والرابع، يمكن دمجهما في قسم واحد. ويؤكد هذا أنه عندما ذكر القسم الخامس نص على أنه لا يدخل لا في الضرورات، ولا في الحاجات، ولا في المحاسن2. فحصر الأقسام الأخرى في ثلاث.
ثم إذا جئنا إلى هذا القسم الخامس، نجد أنه قد قسمه -ضمنيًا- إلى ما يعلل تعليلًا إجماليًا، وإلى ما لا تعليل له. وإذن، فما وقع تعليله، فيجب إلحاقه بأحد الأقسام الثلاثة، فهو إما من الضروريات، وإما من الحاجات، وإما من المحاسن. وما تعذر تعليله، فهو ليس مما نحن فيه، أي تقسيم العلل. فلا يبقى عند التحقيق إلا ثلاثة أقسام.
والذي أريد أن أخلص إليه من هذا: هو أن إمام الحرمين رحمه الله، هو صاحب الفضل والسبق في التقسيم الثلاثي لمقاصد الشارع "الضروريات - الحاجايات - التحسينيات"، وهو التقسيم الذي سيصبح من أسس الكلام في المقاصد.
كما أنه صاحب فضل وسبق في الإشارة إلى الضروريات الكبرى في الشريعة، وهي التي سيتم حصرها فيما بعد تحت اسم "الضروريات الخمس: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال". ومن تنبيهاته في هذا الصدد، ما جاء في قوله: "فالشريعة متضمنها: مأمور به، ومنهي عنه، ومباح. فأما المأمور به: فمعظمه العبادات وأما المنهيات: فأثبت الشرع في الموبقات منها زواجر